متحركة حركة واحدة دائمة متصلة من الأزل إلى الأبد من غير سكون أصلا. وأما الأجرام العنصرية فموادها باقية أزلا وأبدا ، وأما صورها فهي قابلة للسكون والفساد ، فكل صورة مسبوقة بصورة أخرى ، لا إلى أول. ثم قالوا : إن هذه الأجسام سواء كانت فلكية أو عنصرية ، فهي ممكنة الوجود لذواتها ، واجبة لأجل وجوب علتها ، فيلزم من دوام علتها دوامها.
وأما القسم الثالث : وهو أن يقال : هذا العالم قديم المادة ، محدث الصورة. فهذا البحث مبني على أن المادة الأولى ما هي؟ فقال الجمهور الأعظم من أهل العلم : إن المادة الأولى هي الجسم [فالجسم (١)] ، ذات قابلة للصفات المختلفة. ثم اختلف هؤلاء فمنهم من قال : الأجسام متماثلة في تمام الماهية والحقيقة ، وإنما يخالف بعضها بعضا بسبب الصفات القائمة بها. ومنهم من قال : جسم النار مخالف بالماهية لجسم الأرض ، فحرارة النار عين ذاتها المخصوصة ، وبرودة الأرض عين ذاتها المخصوصة.
أما الأولون وهم القائلون بأن الأجسام متساوية في تمام ماهياتها. فقد اختلفوا في هذه الصفات التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. فمنهم من قال : إن هذه الصفات عبارة عن وقوع تلك الأجسام على أشكال مخصوصة. فالشكل الأرضي هو الذي يحيط به ست مربعات. وهو المكعب ، فإنه إذا كان واقعا على هذا الشكل ، امتنع كونه غائصا [في غيره (٢)] وذلك هو الكثافة والأرضية. والشكل الناري هو الذي يحيط به أربع مثلثات متساويات، ومتى كان كذلك ، نفذ في غيره برأسه ، وإذا نفذ في غيره ، لزم أن يفرق اتصال ذلك الغير ، وهذا هو الإحراق والتفريق. فكل جسم كان شكله هو المكعب ، لزم كونه كثيفا وهو الأرض. وكل جسم كان شكله هو [هذا (٣)] الشكل المذكور ، لزم كونه نفاذا في غيره (٤) ومفرقا لأجزاء ذلك الغير ، فيكون محرقا
__________________
(١) من (ط)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (ت)
(٤) نفاذا غواصا في الغير ، مفرقا ... الخ (ت)