إذا ثبت هذا ، فنقول : إن بتقدير أن يفنى هذا الآن الحاضر ، ولا يوجد بعده آن آخر ، فإنه تكون المدة منقطعة وفانية. ومع هذا التقدير ، فإنه يكون عدم الزمان متأخرا عن وجوده، لا بالزمان. وإلا لزم عدمه عند وجوده. وذلك محال.
فقد عقلنا حصول التقدم والتأخر ، لا بسبب الزمان والمدة.
والخامس : إن المدة والزمان. إما أن تكون في نفسه وذاته من الأمور الدائمة الباقية ، أو تكون من الأمور الحادثة المتبدلة. فإن كان الأول ، فنقول : هذه المدة أمر دائم. ودوامها ليس بسبب مدة أخرى. وإلا لزم التسلسل. فقد عقلناه دواما ، لا بسبب المدة ، وإذا عقل ذلك ، فلم لا يعقل الدوام والاستمرار في سائر الأشياء من غير حاجة إلى فرض زمان ومدة؟ وإن كان الثاني ، فحينئذ يكون كل واحد من أجزاء الزمان ، سابقا على غيره ، أو متأخرا عنه. وذلك التقدم والتأخر ، ليس بسبب المدة وإلا لزم التسلسل.
وإذا عقل ذلك ، فلم لا يعقل حصول التقدم والتأخر في سائر الأشياء ، لأجل المدة والزمان؟
السادس : إن المدة لا يعقل حصولها ، إلا حيث حصل فيه الماضي والحاضر والمستقبل. فالذي يكون مستقبلا ، يصير بعده حالا ، ثم يصير الحال ماضيا. وهذا لا يحصل إلا حيث حصل فيه التغير والتبدل. والبارئ تعالى منزه (١) عن التبدل والتغير ، فامتنع [أن يدخل تحت الزمان ، فامتنع (٢)] أن يكون تقدمه على العالم بالمدة والزمان.
فثبت بهذه الوجوه الستة : أنه لا يجب أن [يكون (٣)] تقدم البارئ على العالم [بالمدة (٤)] والزمان. والله أعلم.
__________________
(١) مبرأ (ط)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (ط ، س)
(٤) من (ت)