والثاني : أن بتقدير أن يكون الأمر كذلك ، فتلك الحاجة ، إما أن تكون قديمة أو حادثة ، فإن كانت قديمة ، لزم من قدمها ، قدم الفعل. وإن كانت حادثة ، عاد الطلب في أنه : لم حدثت تلك الحاجة في ذلك الوقت ، دون ما قبله ، وما بعده؟.
والثالث : أن على هذا التقدير يكون إله العالم ناقصا محتاجا إلى الاستكمال بالغير.
الرابع : أن إله العالم قديم أزلي واجب لذاته. فكان أكمل حالا من المحدثات ، وكون الأكمل مستكملا بالأخس الأدون : محال. وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : إنه تعالى إنما أحدث العالم لنفع عائد إلى الغير ، فهذا أيضا باطل. ويدل عليه وجوه :
الأول : إن الإيجاد لو كان إحسانا إلى المخلوق ، لكان إما أن يكون إحسانا إليه حال عدمه ، أو حال وجوده. والأول باطل. لأنه ما دام يكون معدوما ، فالوجود غير واصل إليه ، فامتنع كون الإيجاد [إحسانا إلى المعدوم.
والثاني : أيضا باطل ، لأن إيصال الوجود إليه بعد وجوده (١)] يقتضي إيجاد الموجود وأنه (٢) محال. لا يقال : الإيجاد إنما يكون إحسانا من حيث إنه بعد دخوله في الوجود ، يستعد لأن يصل إليه أنواع اللذة والسرور. لأنا نقول : الكلام إنما وقع في أن الإيجاد ليس بإحسان ، وما ذكرتموه لا يدفع ذلك. فإنكم سلمتم أن نفس الإيجاد [ليس] (٣) إحسانا. وإنما الإحسان ما يحصل بعد ذلك ، ونحن [ما] (٤) ادعينا [حالا] (٥) أن ابتداء الخلق ليس بإحسان.
__________________
(١) من (ت)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (ط ، س)
(٤) من (ت)