قلت : لا.
فقال : «هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله تعالى : (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا ـ إلى قوله ـ لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) (١) فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلاّ لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح.
ثمّ قال مولانا : «يا سعد! وحين ادّعى خصمك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأُمّة إلى الغار إلاّ علماً منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد أُمور التأويل ، والملقى إليه أزمّة الأُمّة ، وعليه المعوّل في لمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث له ، ولم يحفل به لاستثقاله إيّاه ، وعلمه أنّه إن قُتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
فهلاّ نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الخلافة
__________________
(١) الاعراف ٧ : ١٥٥.