فلمّا سمع ذلك زكريّا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكانت ندبته : «إلهي أتفجّع خير خلقك بولده! إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه! إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة! إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما!» ثمّ كان يقول : «اللّهمّ ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثاً وصيّاً ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ، ثمّ فجّعني به كما تفجّع محمّـداً حبيبك بولده» فرزقه الله يحيى وفجّعه به. وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين عليهالسلام كذلك ، وله قصّة طويلة».
قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.
قال : «مصلحٌ أو مفسدٌ؟».
قلت : مصلحٌ.
قال : «فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحدٌ ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟».
قلت : بلى.
قال : «فهي العلّة ، وأُوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك (١) : أخبرني عن الرّسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأُمم (٢) وأهدى إلى الاختيار ، منهم مثل موسى وعيسى عليهماالسلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنّه مؤمن؟».
__________________
(١) في بعض النسخ : (يثق بعقلك).
(٢) كذا ، والظاهر : أعلم الأمم.