فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح (١) خيبريّ مطرّف بلا جيب ، مقصّر الكُمَّين ، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيّر في عارضيه ، وأبلى الدمع محجريه ، وهو يقول :
«سيّدي غيبتك نفت رقادي وضيّقت عليّ مهادي وابتزّت منّي راحة فؤادي ، سيّدي غيبتك أوصلت مصائبي بفجائع الأبد ، وفقد (٢) الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد ، فما أُحسُّ بدمعة ترقأ من عيني وأنين يفشا (٣) من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلاّ مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدّها وأنكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك (٤)».
قال سدير فاستطارت عقولنا ولهاً وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل (٥) ، فظننّا أنّه سَمَتَ (٦) لمكروهة قارعة ، أو حلّت به من الدهر بائقة ، فقلنا :
لا أبكى الله عينيك يا ابن خير الورى ، من أيّة حادثة تستذرف (٧)دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟
__________________
(١) المِسح ـ بكسر الميم ـ الكساء من الشعر (حاشية البحار).
(٢) قال في البحار : قوله عليهالسلام «وفقد» لعلّه معطوف على الفجائع أو على الأبد ، أي أوصلت مصابي بما أصابني قبل ذلك من فقد واحد بعد واحد بسبب فناء الجمع والعدد ، وفي بعض النسخ «يفنى» فالجملة معترضة أو حاليّة.
(٣) في البحار : يفشأ على البناء للمفعول أي ينتشر.
(٤) «ما بين المعقوفتين لم يرد في غير كمال الدين».
(٥) الغائل : المهلك ، والغوائل : الدواهي كما في البحار.
(٦) سمت لهم أي هيّأ لهم وجه الكلام والرأي (من حاشية كمال الدين).
(٧) في الكمال والبحار : تستنزف وهو بمعنى استخراج الدم كلّه.