الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه قال : الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلّا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها عن التشبيه والتشاكل ، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ولا يتبعّض بتجزئة العدد في كماله ، فارق الاشياء لا على اختلاف الاماكن ، ويكون فيها لا على وجه الممازجة ، وعلمها لا بالأداة لا يكون العلم إلّا بها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره ، بل كان عالما بمعلومه ، إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم ، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوّا كبيرا ، نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، شهادتان ، يرفعان القول ويضاعفان العمل ، خفّ ميزان يرفعان منه وثقل ميزان يوضعان فيه ، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط ، وبالشهادة يدخلون الجنّة وبالصلاة ينالون الرحمة ، أكثروا من الصلاة على نبيّكم (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١) صلىاللهعليهوآلهوسلم تسليما.
أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعزّ من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرّضا بالقناعة ، ولا كنز أغنى من القنوع ، ومن تبصّر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوّأ خفض الدعة ، والرغبة مفتاح التعب ، والاحتكار مطية النصب ، والحسد آفة الدين ، والحرص داع إلى التقحم في الذنوب وهو داع إلى الحرمان ، والبغي سائق إلى الحين ، والشره داع لمساوي العيوب ، وربّ طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة تؤدي إلى الخسران ، ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضعات النوائب ، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.
أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ، ولا عزّ أرفع من الحلم ، ولا حسب أبلغ من الادب ، ولا نصب أوضع من الغضب ولا جمال أزين من العقل ، ولا سوءة أسوأ من الكذب ، ولا حافظ أحفظ من الصمت ، ولا غائب أقرب من الموت.
أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره ، ومن سلّ سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ، ومن هتك
__________________
(١) الأحزاب : ٥٦.