علقة وكان اسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وكان رجلا من العرب من بني بكر بن وائل ولكنه تنصّر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه ، وبنوا له الكنائس وموّلوه وأخدموه ، لما علموا من صلابته في دينهم ، وقد كان يعرف [أمر] رسول الله صلىاللهعليهوآله وشأنه وصفته [بما علمه] من الكتب المتقدمة ، ولكنه حمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما رأى من تعظيمه ووجاهته عند أهلها.
فتكلم رسول الله صلىاللهعليهوآله مع أبي حاتم بن علقة والعاقب عبد المسيح وسألهما وسألاه ، ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد أن تكلم مع هذين الحبرين منهم دعاهم إلى الإسلام ، فقالوا : قد اسلمنا فقال : «كذبتم إنّه يمنعكم من الإسلام ثلاثة : عبادتكم الصليب ، وأكلكم الخنزير ، وقولكم : لله ولدا» فقالوا : هل رأيت ولدا بغير أب فمن أبو عيسى؟ فأنزل الله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ... الآية فلما نزلت هذه الآية مصرّحة بالمباهلة دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله وفد نجران إلى المباهلة وتلا عليهم الآية فقالوا : حتى ننظر في أمرنا ونأتيك غدا ، فلمّا خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب صاحب مشورتهم : ما ترى في الرأي؟ فقال : [والله لقد عرفتم يا معاشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم] والله ما لا عن قوم قط نبيّا إلّا هلكوا عن آخرهم ، فاحذروا كلّ الحذر أن يكون آفة الاستئصال منكم ، وإن أبيتم إلّا ألف دينكم والإقامة عليه فوادعوا الرجل وأعطوه الجزية ثم انصرفوا إلى مقركم ، فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فخرج وهو محتضن الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة خلفه وعلي خلفهم وهو يقول : «اللهم هؤلاء أهلي ، إذا أنا دعوت آمنوا» فلما رأى وفد نجران ذلك وسمعوا قوله قال كبيرهم : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألت من الله تعالى أن يزيل جبلا لأزاله لا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني منكم إلى يوم القيامة ، فأقبلوا الجزية ، فقبلوا الجزية ثم انصرفوا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «والذي نفس محمد بيده إن العذاب قد نزل على أهل نجران ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضرم الوادي عليهم نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولم يحل الحول على النصارى حتى هلكوا»(١) (٢).
الحديث السابع عشر : المالكي أيضا : قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : (أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) محمد صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) الفصول المهمة : ٢٣ ، المقدمة ط. النجف.
(٢) ورواه الثعلبي بتفاوت ، في التفسير المخطوط مواد الآية.