تمكّنوا من قتال الثّغر ، ولا تمكّنوا من قتالنا ، وخندقوا على نفوسهم عدّة خنادق ، فما تمكنّا من قتالهم. وقدّموا إلى الثّغر أبرجة (١) من خشب أحرقها أهله. وخرجوا مرّتين إلينا يبغون غرّتنا ، ينصرنا الله عليهم ، ونقتلهم قتلا ذريعا ، أجلت إحدى النّوبتين عن عشرين ألف قتيل منهم. والعدوّ وإن حصر الثّغر فإنّه محصور ، ولو أبرز صفحته لكان بإذن الله هو المكسور.
ويذكر ما دخل الثّغر من أساطيلنا ثلاث مرّات واحتراق مراكبهم ، وهي الأكثر ، ودخولها بالسّيف الأظهر ينقل إلى البلد الميرة. وإنّ أمر العدوّ قد تطاول ، ونجدته تتواصل ، ومنهم ملك الألمان في جموع جماهيرها مجمهرة وأموالها مقنطرة. وإنّ الله سبحانه وتعالى قد قصم طاغية الألمان ، وأخذه أخذ فرعون بالإغراق في نهر الدّنيا ، وإنّهم لو أرسل الله عليهم أسطولا قويّا مستعدّا يقطع بحرة ، ويمنع ملكه ، لأخذنا العدوّ بالجوع والحصر ، والقتال والنّصر. فإن كانت بالجانب الغربيّ الأساطيل ميسّرة ، والرجال في اللّقاء فارهة غير كارهة ، فالبدار البدار.
وأنت أيّها الأمير أوّل من استخار الله وسار ، وما رأينا أهلا لخطابنا ، ولا كفؤا لإنجادنا ، إلّا ذلك الجانب ، فلم ندعه إلّا لواجب عليه. فقد كانت تتوقّع منه همّة تقد في الغرب نارها ، ويستطير في الشّرق سناها ، ويغرس في العدوة القصوى شجرتها ، فينال من في العدوة الدّنيا جناها ، فلا ترضى همّته أن يعين الكفر الكفر ، ولا يعين الإسلام الإسلام. واختصّ بالاستعانة لأنّ العدوّ جاره ، والجار أقدر على الجار ، وأهل الجنّة أولى بقتال أهل النّار. ولأنّه بحر والنّجدة بحريّة ، ولا غرو أن تجيش البحار.
وأن يذكر ما فعل بوزبا وقراقوش في أطراف المغرب ، فيعرّفه أنّهما ليسا من وجوه الأمراء ، ولا من المعدودين في الطّواشيّة والأولياء ، وإنّما كسدت سوقهما ، وتبعهما ألفاف أمثالهما. والعادة جارية أنّ العساكر إذ طالت ذيولها ، وكثرت جموعها ، خرج منها وانضاف إليها ، فلا يظهر مديدها ولا نقصها.
__________________
(١) في الأصل : «برجة».