طريق دعائنا ، فنحن أولى أن نلوم أنفسنا ، ولله قدر لا سلام لنا في دفعه إلّا لا حول ولا قوّة إلّا بالله. وقد أشرفنا على أهوال (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) (١). وقد جمع لنا العدوّ ، وقيل لنا : اخشوه فنقول : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (٢). وليس إلّا الاستغاثة بالله ، فما دأبنا في الشّدائد إلّا على طروق بابه ، وعلى التّضرّع له (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (٣) نعوذ بالله من القسوة ، ومن القنوط من الرحمة.
وما شرّد الكرى ، وطوّل على الأفكار السّرى ، إلّا ضائقة القوت بعكّا. وهذه الغمرات هي نعمة الله عليه ، وهي درجات الرّضوان ، فاشكر الله كما تشكره على الفتوحات.
واعلم أنّ مثوبة الصّبر فوق مثوبة الشّكر. ومن ربط جأش عمر رضياللهعنه قوله : لو كان الصّبر والشّكر بعيرين ما باليت أيّهما ركبت. وبهذه العزائم سبقونا فلا تطمع بالغبار ، وامتدّت خطاهم ، ونعوذ بالله من العثار. ومن (...) (٤) أن ترق بك ماضيه جبل فلا تعجز ، وإن نزل بك ما ليس فيه حيلة فلا تجزع».
ولمّا اشتدّ الأمر بعكّا وطال أرسل السّلطان كتابا إلى شمس الدّين بن منقذ يأمره بالمسير إلى صاحب المغرب يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن يستنصر به ، ليقطع عنه مادّتهم من جهة البحر (٥). وأمر ابن منقذ أن يستقرئ في الطّريق والبلاد ما يحيّي به الملك يعقوب وكيف عاداتهم. وأن يقصّ عليه : من أوّل وصولنا إلى مصر ، وما أزلنا بها من الإلحاد ، وما فتحنا من بلاد الفرنج وغيرها وتفصيل ذلك كلّه ، وأمر عكّا ، وأنّه لا يمضي يوم إلّا عن قوّة تتجدّد ، وميرة في البحر تصل ، وأنّ ثغرنا حصروه ، ونحن حصرناهم ، فما
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية ٦٤.
(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٧٣.
(٣) سورة الأنعام ، الآية ٤٣.
(٤) في الأصل بياض.
(٥) مرآة الزمان ٨ / ٤٠٥ ، مفرّج الكروب ٢ / ٣٦١ ، تاريخ ابن الفرات ٤ / ٢ / ٢٣ ، ٢٤.