ولا كان هذان المملوكان ممّن إذا غاب أحضر ، ولا إذا ذهب افتقد ، ولا يقدّر في أمثالهما أنّهما ممّن يستطيع نكاية ، ولا يأتي بما يوجب شكوى من جناية. ومعاذ الله أن يأمر مفسدا يفسد في الأرض. والله يوفّق الأمير ، ويهدي دليله ، ويسهّل سبيله. وكتب في شعبان سنة ستّ وثمانين».
وأمّا الكتاب إلى صاحب المغرب فعنوانه : «بلاغ إلى محلّ التّقوى الطّاهر من الذّنب ، ومستقرّ حزب الله الظّاهر من الغرب ، أعلا الله به كلمة الإيمان ، ورفع به منار الإحسان».
وأوّله : بسم الله الرّحمن الرّحيم.
الفقير إلى رحمة ربه يوسف بن أيّوب.
أمّا بعد ، فالحمد لله الماضي المشيّة ، الممضي القضيّة ، البرّ بالبريّة ، الحفيّ بالحنيفيّة ، الّذي استعمل عليها من استعمر به الأرض ، وأغنى من أهلها من ماله القرض ، وأنجد من أجرى على يده النّافلة والفرض ، وصلّى الله على محمد الّذي أنزل عليه كتابا فيه الشّفاء والتّبيان.
إلى أن قال : وهذه التّحيّة الطّيّبة وفادة على دار الملك ، ومدار النّسك ، ومحلّ الجلالة ، وأصل الأصالة ، ورأس السّياسة ، ونفس النّفاسة ، وعلم العلم ، وقائم الدّين وقيّمه ، ومقدّم الإسلام ومقدّمه ، ومثبت المتّقين على اليقين ، ومعلي الموحّدين على الملحدين ، أدام الله له النّصرة ، وجهّز به العسرة ، وبسط له باع القدرة. تحيّة استتر فيها الكتاب ، واستنيب عنها الجواب ، وحفز بها حافزان ، أحدهما شوق قديم كان مطل غيمه ممكنا إلى أن تتيسّر الأسباب ، والآخر مرام عظيم كرّه إذا استفتحت به الأبواب. وكان وقت المواصلة وموسم المكاتبة عناءه بفتح بيت المقدس وعدّة من الثّغور ، ولم تتأخّر المكاتبة إلّا ليتمّ الله ما بدا من فضله ، والمفتتح بيد الله مدن وأمصار ، وبلاد كبار وصغار ، والباقي بيد الكفر منها أطرابلس ، وصور ، وأنطاكية ، يسّر الله أمرها بعد أن كسر الله العدوّ الكسرة الّتي لم يجبر بعدها ، ولم يؤجر فتح هذه المدن الثّلاثة ، إلّا أنّ فرع الكفّار بالشّام استصرخ بأصله ،