ويصرف عن الإسلام غاشية هذه الكروب. ونستغفر الله فإنّه ما ابتلى إلّا بذنب».
ومن كتاب آخر يقول : «ولست بملك هازم لنظيره ، ولكنّك الإسلام للشّرك هازم». يشير رحمهالله إلى أنّه وحده بعسكره في مقابلة جميع دين النّصرانيّة ، لأنّ نفيرهم إلى عكّا لم يكن بعده بعد ، ولا وراءه حدّ.
ثمّ قال : «وليس لك من المسلمين مساعد إلّا بدعوة ، ولا خارج بين يديك إلّا بأجرة ، تشتري منهم الخطوات شبرا بذراع ، تدعوهم إلى الفريضة ، وكأنّك تكلّفهم النّافلة ، وتعرض عليهم الجنّة ، وكأنّك تريد أن تستأثر بها دونهم.
والآراء تختلف بحضرتك ، فقائل يقول : لم لا يتباعد عن المنزلة؟ وآخر : لم لا يميل إلى المصالحة؟ ويشير بالتّخلّي عن عكّا ، حتّى كأنّ تركها تعليق المعاملة ، ولا كأنّها طليعة الجيش ، ولا قفل الدّار ، ولا خرزة السّلك إن وهت تداعى السّلك. فألهمك الله قتل الكافر ، وخلاف المجدّل ، فكما لم يحدث استمرار النّعم لك بطرا ، فلا تحدث له ساعات الامتحان ضجرا».
وما أحسن قول حاتم :
شربنا كأس الفقر يوما وبالغنى |
|
وما فينا إلّا سقانا به الدّهر |
فما زادانا تعبا على ذي قرابة |
|
غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر |
وقال الآخر :
لا بطرا إن تتابعت نعم |
|
وما يرقي البلا محتسب |
وقيل للمهلّب : أيسرّك سفر ليس فيه تعب؟ فقال : أكره عادة العجز.
ونحن في ضرّ قد مسّنا ، ولا نرجو لكشفه إلّا من ابتلى. وفي طوفان فتنة ، (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) (١) ، ولنا ذنوب قد سدّت
__________________
(١) سورة هود ، الآية ٤٣.