واستجابوا الصّوت ، وفارقوا الأوطان والأوطار ، والأهل والدّيار ، طاعة لقسّيسهم وغيرة لمعبدهم وحميّة لمعتقدهم ، وتهالكا على مقبرتهم ، وتحرّقا على فخامتهم ، حتّى خرجت النّساء من بلادهنّ متبرّزات ، وسرن في البحر متجهّزات ، وكانت منهنّ ملكة استتبعت خمسمائة مقاتل ، والتزمت بمئونتهم ، فأخذت برجالها بقرب الإسكندريّة. ومنهنّ ملكة وصلت مع ملك الألمان ، وذوات المقانع من الفرنج مقنّعات دارعات ، يحملن الطّوارق والقنطاريّات. وقد وجدت في الوقعات الّتي جرت عدّة منهنّ بين القتلى. وما عرفن حتّى سلبن. والبابا الّذي بروميّة قد حرّم عليهم لذّاتهم وقال : من لا يتوجّه إلى القدس فهو محرم ، لا ملح له ولا مطعم ، فلهذا يتهافتون على الورود ، ويتهالكون على يومهم الموعود». وقال : «إنّي واصل في الربيع ، جامع على الاستنفار شمل الجميع. وإذا نهض هذا اللّعين فلا يقعد عنه أحد ، ويصل معه كلّ من يقول لله تعالى ولد».
ومن كتاب فاضليّ إلى السّلطان : «فليس إلّا الدّعاء والتّجلّد للقضاء ، فلا بدّ من قدر مفعول ، ودعاء مقبول.
نحن الّذين إذا علوا لم يبطروا |
|
يوم الهجاج وإن علوا لم يضجروا |
ومعاذ الله أن يفتح علينا البلاد ، ثمّ يغلقها ، وأن يسلم على أيدينا القدس ، ثمّ ينصّره ، ثمّ معاذ الله أن يغلب عن النّصر ، ثمّ معاذ الله أن يغلب على الصّبر. وإذا كان ما يقدّمنا الله إليه لا بدّ منه وهو لقاؤه ، فلأن نلقاه والحجّة لنا خير من أن نلقاه والحجّة علينا. ولا تعظم هذه الفتون على مولانا فتبهر صبره ، وتملأ صدره ، (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) (١). وهذا دين ما غلب بكثرة وإنّما اختار الله له أرباب بنات ، وروى قلوب رجالات ، فليكن الوليّ نعم السّلف ، لذلك الخلف ، واشتدّي أزمة تنفرجي ، والغمرات تذهب ثمّ لا تجيء ، والله يسمعنا ما يسرّ القلوب ،
__________________
(١) سورة محمد ، الآية ٣٥.