بالخلّ ، وجلّل ذلك بشباك من حبال القنّب لتردّ حدّة المنجنيق ، وكلّ واحد يعلو سور عكّا بثلاث طبقات. وزحفوا بهما (١) إلى السّور ، وفي كلّ طبقة مقاتلة ، فيئس المسلمون بعكّا ، فقال دمشقيّ يقال له ابن النّحّاس : دعوني أضربها بالمجانيق. فسخروا منه ، فطلب من قراقوش أن يمكّنه من الآلات ، ورمى البرج حتّى خلخله ، ثمّ رماه بقدر نفط ، ثمّ صاح : الله أكبر ، فعلا الدّخان ، فضجّ المسلمون ، وبرزوا من عكّا ، وعملت النّار في أرجائه ، والفرنج ترمي أنفسها من الطّبقات ، واشتعلوا ، فأحرق المسلمون السّتائر والعدد ، وانكسرت صولتهم (٢).
ثمّ اجتمعت هممهم نوبة ، وعملوا كبشا هائلة ، رأسه قناطر من الحديد ليبعجوا (٣) به السّور فينهدم ، فلمّا سحبوه وقرّب من السّور ساخ في الرمل لثقله ، وعجزوا عن تخليصه.
وكان المسلمون في عكّا في مرض وجوع قد ملّوا من القتال ، ما يحملهم سوى الإيمان بالله تعالى. وقد هدمت الفرنج برجا وبدنة ، ثمّ سدّ ذلك المسلمون في اللّيل ووثّقوه (٤).
وكان السّلطان يكون أوّل راكب وآخر نازل.
قلت : ولعلّه وجبت له الجنّة برباطه هذين العامين.
ذكر العماد الكاتب (٥) أنّه حزر (٦) ما قتل من الفرنج في مدّة الحرب على عكّا ، فكان أكثر من مائة ألف (٧).
ومن كتاب إلى بغداد : «وقد بلي الإسلام منهم بقوم استطابوا الموت ،
__________________
(١) في مشارع الأشواق ٢ / ٩٤١ «بها» وهو غلط.
(٢) مشارع الأشواق ٢ / ٩٤١ ، ٩٤٢ وفيه «فانكسرت همتهم».
(٣) في مشارع الأشواق ٢ / ٩٤٢ «لينطحوا».
(٤) مشارع الأشواق ٢ / ٩٤٢.
(٥) في الفتح القسّي.
(٦) في تاريخ ابن الفرات ، مجلّد ٤ ج ١ / ٢١٣ «حرر».
(٧) تاريخ ابن الفرات ، مجلّد ٤ ج ١ / ٢١٣ ، ٢١٤.