تنازعنا نحن والتّركمانيّ فقال الشّيخ : روحوا بالرأس وأنا أرضيه ، فتقدّمنا ، ثمّ تبعنا الشّيخ ، فقال التّركمانيّ : أعطني رحلي وارضني. وهو لا يردّ في التّركمانيّ ، وجذب يده وقال : كيف تروح وتخلّيني؟ فإذا بيد الشّيخ قد انخلعت من كتفه ، وبقيت في يد التّركمانيّ ، ودمها يشخب. فتحيّر التّركمانيّ ، ورماها وهرب ، فأخذ الشّيخ تلك اليد اليسرى بيده اليمنى ، فلمّا صار معنا رأينا في يده منديله لا غير (١).
وقال الضّياء صقر : في سنة تسع وسبعين قدم إلى حلب شهاب الدّين عمر السّهرورديّ ، ونزل في مدرسة الحلاويّة ، ومدرّسها الافتخار الهاشميّ ، فحضر وبحث وهو لابس دلق ، وله إبريق وعكّاز. فأخرج له افتخار الدّين ثوب عتّابيّ (٢) ، وبقيار (٣) ، وغلالة ، ولباس (٤) ، وبعثها مع ولده إليه. فسكت عنه ، ثمّ قال : ضع هذا واقض لي حاجة. وأخرج فصّ بلخش كالبيضة ، ما ملك أحد مثله وقال : ناد لي عليه وعرّفني. فجاب خمسة (٥) وعشرين ألفا. فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظّاهر غازي ، فدفع فيه ثلاثين ألفا. فنزل وشاور ، فأتاه ابن الافتخار وعرّفه ، فتألّم وصعب عليه ، وأخذ الفصّ جعله على حجر ، وضربه بحجر آخر فتّته ، وقال : يا ولدي ، خذ هذه الثّياب ، وقبّل يد والدك ، وقل له : لو أردنا الملبوس ما غلبنا عنه.
فراح إلى أبيه ، وعرّفه ، فبقي متحيّرا.
وأمّا السّلطان فطلب العريف وقال : أريد الفصّ. فقال : هو لابن الشّريف الافتخار. فركب السّلطان ، ونزل إلى المدرسة ، وقعد في الإيوان
__________________
(١) انظر وفيات الأعيان.
(٢) هكذا في الأصل ، وكذا في سير أعلام النبلاء ٢١ / ٢٠٩ ، والصواب : «ثوبا عتابيا».
(٣) هكذا في الأصل. والصواب : «بقيارا» ، والبقيار من البقير المشقوق كالمبتور ، وهو برد بلا كمّين يشقّ فيلبس. (القاموس المحيط ـ مادة «بقر»).
(٤) هكذا في الأصل ، والصواب «لباسا» ، وقد أبقيت على الأصل كما كتبه المؤلّف ـ رحمهالله ـ.
(٥) في الأصل : «خمس».