قال فخر الدّين الماردينيّ : ما أذكى هذا الشّابّ وأفصحه إلّا أنّي أخشى عليه لكثرة تهوّره واستهتاره تلافه (١).
ثمّ إنّ الشّهاب السّهرورديّ قدم الشّام فناظر فقهاء حلب ، ولم يجاره أحد ، فاستحضره الملك الظّاهر ، وعقد له مجلسا ، فبان فضله ، وبهر علمه ، وحسن موقعه عند السّلطان ، وقرّبه ، واختصّ به ، فشنّعوا عليه ، وعملوا محاضر بكفره ، وسيّروها إلى السّلطان صلاح الدّين ، وخوّفوه من أن يفسد اعتقاد ولده ، وزادوا عليه أشياء كثيرة ، فبعث إلى ولده الملك الظّاهر بخطّ القاضي الفاضل يقول فيه : لا بدّ من قتله ، ولا سبيل إلى أن يطلق ولا يبقى بوجه. فلمّا لم يبق إلّا قتله اختار هو لنفسه أن يترك في بيت حتّى يموت جوعا ، ففعل به ذلك في أواخر سنة ستّ وثمانين بقلعة حلب. وعاش ستّا وثلاثين سنة.
حكى ابن أبي أصيبعة (٢) هذا الفصل عن السّديد محمود بن زقيقة (٣). ثمّ قال : وحدّثني الحكيم إبراهيم بن صدقة أنّه اجتمع مع الشّهاب هو وجماعة ، وخرج من باب الفرج إلى الميادين ، فجرى ذكر السّيمياء ، فمشى قليلا وقال : ما أحسن دمشق وهذه المواضع. فنظرنا فإذا من ناحية الشّرق جواسق مبيضة كثيرة مزخرفة ، وفي طاقاتها نساء كالأقمار ومغاني ، وغير ذلك فتعجّبنا وانذهلنا فبقينا ساعة ، وعدنا إلى ما كنّا نعرفه ، إلّا أنّي عند رؤية ذلك بقيت أحسّ من نفسي كأنّي في سنة خفيّة ، ولم يكن إدراكي كالحالة الّتي أتحقّقها منّي.
وحدّثني بعض فقهاء العجم قال : كنّا مع شهاب الدّين عند القابون ، فقلنا : يا مولاي ، نريد رأس غنم. فأعطانا عشرة دراهم ، فاشترينا رأسا ، ثمّ
__________________
(١) عيون الأنباء ٢ / ١٦٧.
(٢) في عيون الأنباء.
(٣) زقيقة : بالزاي المضمومة وفتح القاف ، وبعدها ياء مثنّاة من تحتها ساكنة ، وقاف مفتوحة أخرى. وهو سديد الدين محمود بن عمر الشيبانيّ الطبيب ، له شعر جيد ، روى عنه منه القوصيّ في معجمه. (المشتبه ١ / ٣٢٢).