ولا يصحّ القول بأنّ المراد بالذِكر هو خصوص الكتاب ؛ لأنّ كلمة ( الذِكر ) تشمل بعمومها كلَّ ما أنزله الله تعالىٰ وحياً علىٰ نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، سواء أكان وحياً بلفظه ومعناه ومتعبّداً بتلاوته وهو القرآن الكريم ، أم وحياً بالمعنىٰ فقط غير متعبّد بتلاوته ، وهو الحديث الشريف .
وقال ابن حزم : « القرآن والخبر الصحيح بعضهما مضافٌ إلىٰ بعض ، وهما شيءٌ واحدٌ في أنّهما من عند الله تعالى ، وحكمهما حكم واحدٌ في باب وجوب الطاعة لهما . . . وقال تعالىٰ : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وقال تعالىٰ : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ) (١) ، فأخبر تعالىٰ ـ كما قدّمنا ـ أنّ كلام نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّه وحي ، والوحي بلا خلافٍ ذِكرٌ ، والذِكر محفوظ بنصّ القرآن .
فصحّ بذلك أنّ كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّه محفوظ بحفظ الله عزّ وجلّ ، مضمون لنا أنّه لا يضيع منه شيء . . . فهو منقول إلينا كلّه » (٢) .
واحتمال ضياع بعض أدلّة الأحكام لا منشأ له ـ بعد هذا ـ إلّا أحد أمرين ، كلاهما غير معقول بالنسبة للشارع المقدّس :
الأوّل : أنّه تعالىٰ لم يفِ بعهده ، وترك للحوادث أن تذهب ببعض النصوص المبيّنة لتعاليمه ، وهو احتمال باطل بملاحظة قوله تعالىٰ : ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (٣) ، وقوله تعالىٰ : ( وَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ وَعْدَهُ ) (٤) ، وقوله تعالىٰ : ( وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ) (٥) .
__________________
(١) سورة الأنبياء ٢١ : ٤٥ .
(٢) الإحكام في أُصول الأحكام ١ / ٩٦ ـ ٩٧ .
(٣) سورة الرعد ١٣ : ٣١ .
(٤) سورة التوبة ٩ : ١١١ .
(٥) سورة الحجّ ٢٢ : ٤٧ .