محجوج بحجة الله
إلا أن يتغمده الله برحمته ، وهو أرحم الراحمين. وهذا الذي ذكرته بيّن في معاني
الآيات ، لا يتمارى فيه موفّق ، قال الله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ
قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ (٧٤)) [البقرة] أراد
أنهم استمروا على المخالفات ، وأصروا بانتهاك الحرمات ، فقست قلوبهم ، وقال تعالى : (وَلا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (٢٨)) [الكهف] فقد جمعت
بين تفويض الأمور كلّها نفعها وضرها خيرها وشرها إلى الإله جلّت قدرته ، وبين
إثبات حقائق التكليف ، وتقرير قواعد الشرع على الوجه المعقول ، ألست في هذا أهدى
سبيلا وأقوم قيلا ممن يقدر الطبع منعا والختم صدا ودفعا ، ثم ينفي التكاليف بزعمه.
وقد افترق الخلق
في هذا المقام فرقا ، فذهب ذاهبون إلى أن المخذولين ممنوعون مدفوعون ، لا اقتدار
لهم على إجابة دعاة الحق ، وهم مع ذلك ملزمون ، وهذا خطب جسيم ، وأمر عظيم ، وهو
طعن في الشرائع وإبطال للدعوات ، وقد قال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ
أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى (٥٥)) [الكهف] وقال
لإبليس : (ما مَنَعَكَ أَنْ
تَسْجُدَ (٧٥)) [ص] نعوذ بالله من
سوء النظر في مواقع الخطر.
وذهب طوائف من
الضّلّال إلى أن العبد يعصي ، والرب لما يأتي به كاره ، فهذا خبط في الأحكام
الإلهية ومزاحمة في الربوبية ، ولو لم يرد الربّ من الفجار ما علمه منهم في أزليته
، لما فطرهم مع علمه بهم ، كيف وقد أكمل قواهم وأمدّهم بالعدد والعدد والعتاد ،
وسهّل لهم طريق الحيد عن السداد.
فإن قيل : فعل ذلك
بهم ليطيعوه ، قلنا : أنّى يستقيم ذلك ، وقد علم أنهم يعصونه ، ويهلكون أنفسهم ،
ويهلكون أولياءه وأنبياءه ، ويشقون شقاوة لا
__________________