يسعدون بها أبدا ، ولو علم سيّد عن وحي أو إخبار نبيّ أنه لو أمدّ عبده بالمال لطغى وأبق ، وقطع الطريق ، فأمدّه بالمال زاعما أنه يريد منه ابتناء القناطر والمساجد ، وهو مع ذلك يقول : أعلم أنه لا يفعل ذلك قطعا ، فهذا السيد مفسد عبده ، وليس مصلحا له ، باتفاق من أرباب الألباب ، فقد زاغت الفئتان ، وضلت الفرقتان ، واعترضت إحداهما على القواعد الشرعية ، وزاحمت الأخرى أحكام الربوبية ، واقتصد الموفقون ، فقالوا : مراد الله من عباده ما علم أنهم إليه يصيرون ، ولكنه لم يسلبهم قدرتهم ، ولم يمنعهم مراشدهم ، فقرّت الشريعة في نصابها ، وجرت العقيدة في الأحكام الإلهية على صوابها.
فإن قيل : كيف يريد الحكيم السّفه ، فقد أوضحنا أنّ الأفعال متساوية في حق من لا ينتفع ولا يتضرر ، ولكن إذا أخبر أنه مكلّف مطالب عباده مزيح عللهم ، فقوله الحقّ ، وكلامه الصدق ، وأقرب أمر يعارضون به أن الحكيم منا إذا رأى جواريه وعبيده يمرج بعضهم في بعض ، وهم على محارمهم ، بمرأى منه ومسمع ، فلا يحسن تركهم على ما هم عليه ، والرب سبحانه يطلع على سوء أفعالهم ، ويستدرجهم من حيث لا يعلمون ، ثم قال : قد أطلقت أنفاسي ، ولكن لو وجدت في اقتباس هذا العلم من يسرد لي هذا الفصل ، لكان ، وحق القائم على كل نفس بما كسبت ، أحبّ إليّ من ملك الدنيا بحذافيرها أطول أمدها ، انتهى كلامه بلفظه.
وهذا توسّط حسن بين الفريقين ، وقد أنكره عليه عامة أصحابه ، منهم الأنصاريّ شارح «الإرشاد» وغيره ، وقالوا : هو أقرب من مذهب المعتزلة ، ولا يرجع الخلاف بينه وبينهم إلا إلى الاسم فقط ، وأن هذا مما انفرد به ، ولكن بقي عليه فيه أمور : منها أنه نفى كراهة الله لما قدّره من المعاصي بناء على أصله : أنّ كلّ مراد له فهو محبوب له ، وأنه إذا كان قد قدّر الكفر