شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)) [يس] وبين أمر التكليف ، فإذا بطل ذلك ، فالوجه في الكلام على هذه الآي ، وقد غوى في حقائقها أكثر الفرق ، أن يقول : إذا أراد الله بعبد خيرا أكمل عقله ، وأتمّ بصيرته ، ثم صرف عنه العوائق والدوافع ، وأزاح عنه الموانع ، ووفق له قرناء الخير ، وسهّل له سبله ، وقطع عنه الملهيات وأسباب الغفلات ، وقيض له ما يقر به إلى القربات ، فيوافيها ، ثم يعتادها ويمرن عليها.
وإذا أراد الله بعبده شرا ، قدّر له ما يبعده عن الخير ، ويقصيه ، وهيأ له أسباب تماديه في الغي ، وحبب إليه التشوّف إلى الشهوات ، وعرّضه للآفات ، وكلما غلبت عليه دواعي النفس ، خنست دواعي الخير ، ثم يستمر على الشرور على مر الدهور ، ويأتي مهاويها ويتعاون عليه الوسواس ونزغات الشيطان ونزفات النفس الأمّارة بالسوء ، فتنسج الغفلة على قلبه غشاوة بقضاء الله وقدره ، فذلكم الطبع والختم والأكنّة.
وأنا أضرب في ذلك مثلا ، فأقول : لو فرضنا شابا حديث العهد بحلمه ، لم تهذبه المذاهب ، ولم تحنكه التجارب ، وهو على نهاية في غلمته وشهوته ، وقد استمكن من بلغة من الحطام ، وخصّ بمسحة من الجمال ، ولم يقم عليه قوّام يزعه عن ورطات الردى ، ويمنعه عن الارتباك في شبكات الهوى ، ووافاه أخدان الفساد ، وهو في غلواء شبابه ، يحدّث نفسه بالبقاء أمدا بعيدا ، فما أقرب من هذا وصفه من خلع العذار والبدار إلى شيم الأشرار ، وهو مع ذلك كله مؤثر مختار ، ليس مجبرا على المعاصي والزلات ، ولا مصدودا عن الطاعات ، ومعه من العقل ما يستوجب به اللائمة إذا عصى.
فمن هذا سبيله لا يستحيل في العقل تكليفه ، فإنه ليس ممنوعا ، ولكن إن سبق له من الله سوء القضاء ، فهو صائر إلى حكم الله الجزم وقضائه الفصل ،