قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

شفاء العليل

331/776
*

محجوج بحجة الله إلا أن يتغمده الله برحمته ، وهو أرحم الراحمين. وهذا الذي ذكرته بيّن في معاني الآيات ، لا يتمارى فيه موفّق ، قال الله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ (٧٤)) [البقرة] أراد أنهم استمروا على المخالفات ، وأصروا (١) بانتهاك الحرمات ، فقست قلوبهم ، وقال تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (٢٨)) [الكهف] فقد جمعت بين تفويض الأمور كلّها نفعها وضرها خيرها وشرها إلى الإله جلّت قدرته ، وبين إثبات حقائق التكليف ، وتقرير قواعد الشرع على الوجه المعقول ، ألست في هذا أهدى سبيلا وأقوم قيلا ممن يقدر الطبع منعا والختم صدا ودفعا ، ثم ينفي التكاليف بزعمه.

وقد افترق الخلق في هذا المقام فرقا ، فذهب ذاهبون إلى أن المخذولين ممنوعون مدفوعون ، لا اقتدار لهم على إجابة دعاة الحق ، وهم مع ذلك ملزمون ، وهذا خطب جسيم ، وأمر عظيم ، وهو طعن في الشرائع وإبطال للدعوات ، وقد قال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى (٥٥)) [الكهف] وقال لإبليس : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ (٧٥)) [ص] نعوذ بالله من سوء النظر في مواقع الخطر.

وذهب طوائف من الضّلّال إلى أن العبد يعصي ، والرب لما يأتي به كاره ، فهذا خبط في الأحكام الإلهية ومزاحمة في الربوبية ، ولو لم يرد الربّ من الفجار ما علمه منهم في أزليته ، لما فطرهم مع علمه بهم ، كيف وقد أكمل قواهم وأمدّهم بالعدد والعدد والعتاد ، وسهّل لهم طريق الحيد عن السداد.

فإن قيل : فعل ذلك بهم ليطيعوه ، قلنا : أنّى يستقيم ذلك ، وقد علم أنهم يعصونه ، ويهلكون أنفسهم ، ويهلكون أولياءه وأنبياءه ، ويشقون شقاوة لا

__________________

(١) أصروا : أثموا.