وفعله تقدير لله من أدلة خلق مقضي.
ونحن نضرب في ذلك مثلا شرعيا ، يستروح إليه الناظر في ذلك ، فنقول : العبد لا يملك أن يتصرف في مال سيده ، ولو استبد بالتصرف فيه ، لم ينفذ تصرفه ، فإذا أذن له في بيع ماله ، فباعه ، نفذ ، والبيع في التحقيق معزوّ إلى السيد من حيث إن سببه إذنه ، ولو لا إذنه لم ينفذ التصرف ، ولكن العبد يؤمر بالتصرف ، وينهى ، ويوبّخ على المخالفة ويعاقب ، فهذا والله الحق الذي لا غطاء دونه ، ولا مراء فيه لمن وعاه حقّ وعيه.
وأما الفرقة الضالة فإنهم اعتقدوا انفراد العبد بالخلق ، ثم صاروا إلى أنه إذا عصى ، فقد انفرد بخلق فعله ، والربّ كاره له ، فكان العبد على هذا الرأي الفاسد مزاحما لربه في التدبير ، موقعا ما أراد إيقاعه ، شاء الرب أو كره.
فإن قيل : على ما ذا تحملون آيات الطبع والختم والإضلال في القرآن ، وهي متضمنة اضطرار الرب سبحانه للأشقياء إلى ضلالتهم؟.
قلنا : إذا أباح الله حل هذا الإشكال ، والجواب عن هذا السؤال ، لم يبق على ذوي البصائر بعده غموض ، فنقول : أولا من أنبأ الله سبحانه عن الطبع على قلوبهم ، كانوا مخاطبين بالإيمان ، مطالبين بالإسلام والتزام الأحكام مطالبة تكليف ودعاء ، مع وصفهم بالتمكن والاقتدار والإيثار ، كما سبق تقريره ، ومن اعتقد أنهم كانوا ممنوعين مأمورين مصدودين قهرا ، مدعوين ، فالتكليف عنده إذا بمثابة ما لو شدّ من الرجل يداه ورجلاه رباطا ، وألقي في البحر ، ثم قيل له : لا تبتل ، وهذا أمر لا يحمل شرائع الرسل عليه إلا عائب بنفسه مجترئ على ربه ، ولا فرق عند هذا القائل بين أمر التسخير والتكوين في قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦)) [الأعراف] وقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ