٥٣٩
ـ قال أبو داود
وحدّثنا هنّاد بن السري ، عن قبيصة ، نا أبو رجاء ، عن أبي الصلت. وهذا لفظ حديث
ابن كثير ـ ومعناهم قال : كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب :
أمّا بعد ، أوصيك بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنّة رسوله ، وترك ما
أحدث المحدثون بعد ما جرت سنته وكفوا مئونته ، فعليك بلزوم السنّة ، فإنّها لك
بإذن الله عصمة ؛ ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع / الناس بدعة إلّا وقد مضى قبلها ما هو
دليل عليها أو عبرة فيها ، فإنّ السنة إنما سنها من قد علم في خلافها من الخطأ
والزلل والحمق والتعمق ، فارض لنفسك ما رضي القوم لأنفسهم ، فإنّهم عن علم وقفوا ،
وببصر نافذ كفوا ، لهم على كشف الأمور كانوا أقدر ، وبفضل ما فيه كانوا أولى ، فإن
كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ، ولئن قلتم إنّ ما حدث بعدهم ما أحدثه
إلّا من اتبع غير سبيلهم أو رغب بنفسه عنهم فإنّهم هم السابقون وقد تكلموا فيه بما
يكفي ، ووصفوا ما يشفي ، فما دونهم من مقصر ، وما فوقهم من محسن ، قد قصر قوم
دونهم فجفوا ، وطمح عنهم أقوام فغلوا ، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل
عن الإقرار بالقدر ، فعلى الخبير بإذن الله وقعت ، ما أعلم أحدث الناس من محدثة
ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرا ، ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر ، لقد كان
ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون في كلامهم وفي شعرهم يعزّون به أنفسهم على ما
فاتهم ، ثم لم يزده الإسلام بعد إلّا شدة ، لقد ذكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غير حديث ، ولا حديثين ، قد سمعه منه المسلمون فتكلموا
به في حياته وبعد وفاته يقينا وتسليما لربهم ـ عزوجل ـ وتضعيفا لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه ، ولم يحصه
كتابه بذلك ، ولم يمض فيه قدره ، وإنّه لمع ذلك في محكم كتابه لمنه اقتبسوه ولمنه
تعلموه ، ولئن قلتم لم أنزل الله ـ عزوجل ـ آية كذا ، ولم قال الله كذا ، لقد قرءوا منه ما قرأتم
وعلموا من تأويله ما جهلتم وقالوا بعد ذلك : كله بكتاب وقدر ، وما يقدر يكن وما
شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ، ثمّ رغبوا
بعد ذلك ورهبوا. ولم يقل ابن كثير : من قد علم.