تمتلىء به عروق آلة الوقاع ، فتنهض له ، وهذه الحوادث في البدن إنما تكوّنت بمجرد التصورات.
ويظهر من هذا أنه ليس من شرط كلّ مسخّن أن يكون حارّا ، وكذا مثله ، فإذا صارت الأمزجة تتأثر عن الأوهام ، فلا عجب من أن تكون لبعض النفوس قوّة كمالية صارت كأنها نفس العالم ، فيؤثر في غير بدنها تأثيرها في بدنها ، فتطيعها مادّة العالم طاعة البدن للنفس ، أو تنفعل عنها قوى نفوس أخرى تفعل فيها ، لا سيّما إذا كانت شحذت ملكتها بقهر قواها البدنية الّتي لها ، فتقهر شهوة ، أو غضبا ، أو خوفا من غيرها.
فصل
إن هذه القوّة للنفس ربما كانت بحسب المزاج الأصلي ؛ لما يفيده من هيئة نفسانية تشخّصها ، وربّما يحصل بمزاج طارىء ، وربما يحصل بضرب من الكسب والتعويد ، يجعل النفس وهي في البدن كالمجردة ؛ لشدة الذكاء ، كما يحصل لأولياء الله الأبرار.
فالذي يقع له هذا في جبلّة النفس ، ثمّ يكون خيّرا رشيدا ، مزكّيا فيه فهو ذو معجزة من الأنبياء ، أو كرامة من الأولياء ، وتزيده تزكية لنفسه في هذا المعنى زيادة على مقتضى جبلّته ، فيبلغ المبلغ الأقصى.
والذي يقع له هذا ثمّ يكون شرّيرا ، ويستعمله في الشرّ ، فهو الساحر الخبيث ، وقد يكسر قدر نفسه من غلوائه في هذا المعنى ، فلا يلحق شأو الأذكياء فيه.