فصل
أما قحف الرأس الّذي خلق لحفظ الدماغ ووقايته عن الآفات ، فخلقه الله مستديرا إلى طول ؛ لأنّ المستدير أعظم مساحة من الأشكال المستقيمة الخطوط ، إذا تساوت إحاطتها ؛ ولئلّا تنفعل عن المصادمات ما ينفعل عنه ذو الزوايا.
وأمّا طوله فلأن منابت الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول ؛ لئلّا يزدحم ولا ينضغط ، وقد يفقد النتوء المقدّم ، أو المؤخّر ، أو كلاهما.
والقحف مؤلف من ستة أعظم ، اثنان منها بمنزلة السقف ، وأربعة بمنزلة الجدران ، ويتصل بعضها ببعض بدروز تسمى بالشؤن ، وجعل الجدران أصلب من اليافوخ ؛ لأنّ السقطات والصدمات عليها أكثر ؛ ولأن الحاجة إلى تخلخل اليافوخ أمسّ لينفذ فيه البخار المتحلل ، ولئلّا يثقل على الدماغ. وجعل أصلب الجدران مؤخّرها ؛ لأنّه غائب عن حراسة الحواسّ.
وفي القحف ثقب كثيرة لتخرج منها أعصاب كثيرة ، وتدخل فيها عروق وشرايين ، وتخرج منها الأبخرة الغليظة الممتنعة عن النفوذ في العظم ، فينقى بتحللها الدماغ ، وليتشبث بها الحجاب الغليظ الثقيل الآتي ذكره ، فيخفف عن الدماغ.
وأعظم ثقب فيه الّذي من أسفل عند نقرة القفاء ، وهو مخرج النخاع ، ويتّصل بالقحف اللحى الأعلى ، وهو الّذي فيه الخدّان ، والأذنان ، والأسنان العليا ، ويتركّب من أربعة عشر عظما ، يتصل بعضها ببعض بدروز ، ثمّ اللحى