فصل
وأمّا العروق فنوعان :
أحدهما : النابضة الضوارب ، ومنبتها القلب ، وتسمى بالشرايين ، ولها حركتان انقباضية وانبساطية ، وشأنها أن تنفض البخار الدخاني من القلب بحركتها الانقباضية ، وتجذب بحركتها الانبساطية نسيما طيبا صافيا يستريح به القلب ، ويستمد منه الحرارة الغريزية، وبهذه الحركة تنتشر الروح والقوّة الحيوانية ، والحرارة الغريزية في جميع البدن.
وخلقت كلّها ذات صفاقين ؛ احتياطا في وثاقة جسميّتها ؛ لئلّا تنشق بسبب قوّة حركتها بما فيها ، ولئلّا يتحلل ما فيها إلّا واحد منها ، يسمى بالشريان الوريدي ، فإنه ذو صفاق واحد ؛ ليكون ألين ، وأطوع للانبساط ، والانقباض ، فإنّ الحاجة إلى السلاسة أمسّ فيه إلى الوثاقة ؛ لأنّه كما أنه منفذ للنسيم ، كذلك منفذ لغذاء الرئة ، فإنّ غذاءه من القلب ، وهو يغوص في الرئة ، ويصير شعبا.
ولحم الرئة ليّن لطيف ، لا يخشى مصادمته عند النبض ، ويحتاج إلى ترشّح الغذاء إليه بسرعة وسهولة ، وجعل الصفاق الداخلان (١) من ذوات الصفاقين أصلب ؛ لأنّه كالبطانة الّتي تحمي الظهارة ، وهو الملاقي لقوّة الحرارة الغريزية ، ولمصادمته حركة الروح ، فأوجبت الحكمة تقوية منفذ الروح والحرارة الغريزية بهذه البطانة ، وإحرازها بها.
والنوع الثاني : العروق الساكنة ، ومنبتها الكبد ، وتسمى الأوردة ، وشأنها
__________________
(١) ـ في نسخة البحار : ٥٩ : ٧ «الداخلاني».