ويؤيّد هذا ما ورد
في حديث آخر : «إنّ المسجد ينزوي بالنخامة» ، مع أن المحسوس منه لم تتغيّر مساحته أصلا ، فكأنّ المراد
أنّ النخامة توجب قلّة توقيره وتعظيمه ؛ لأنّه محلّ عبادة الله ، فيجب أن يكون
موقّرا مستعظما ، والنخامة فيه تنافي ذلك ، فيقلّ عظم قدره في العقل ، لا في الحسّ
، وهذا وأمثاله ممّا يدركه أهل البصيرة (وَما يَذَّكَّرُ
إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) .
وصل
ولمّا كان الناس
إنّما يكلّمون على قدر عقولهم ، ومقاماتهم ، فما يخاطب به الكلّ يجب أن يكون للكل
فيه نصيب ، فالقشرية من الظاهريين لا يدركون إلّا المعاني القشرية ، كما أنّ القشر
من الإنسان وهو ما في الإهاب ، والبشرة من البدن ، لا ينال إلّا قشر تلك المعاني ،
وهو ما في الجلد والغلاف من السواد والصور ، وأمّا روحها وسرّها وحقيقتها فلا
يدركها إلّا أولوا الألباب ، وهم الراسخون في العلم.
وإلى ذلك أشار
النبيّ صلىاللهعليهوآله في دعائه لبعض أصحابه ، حيث قال : «اللهمّ فقّهه في الدين
وعلّمه التأويل» ، ولكلّ منهم حظّ ، قلّ أم كثر ، وذوق ، نقص أو كمل ، ولهم
درجات في الترقّي إلى أطوارها ، وأغوارها ، وأسرارها ، وأنوارها.
وأمّا البلوغ
للاستيفاء ، والوصول إلى الأقصى ، فلا مطمع لأحد فيه ، ولو
__________________