الأشياء بقيامها
به.
ولا تنظروا إلى
وجوه الأشياء الّتي إلى أنفسها ، أعني من حيث إنها أشياء ، لها ماهيات لا يمكن أن
توجد بذاتها ، بل مفتقرة إلى موجد يوجدها ، فإنكم إذا نظرتم إليها من هذه الجهة
تكونوا قد عرفتم الله بالأشياء ، يعني أتيتموه بها ، وأقررتم بوجوده فحسب ، فلن
تعرفوه ـ إذن ـ حق المعرفة ، فإنّ معرفة كون الشيء مفتقرا إليه في وجود الأشياء
ليست بمعرفة له في الحقيقة ، على أن ذلك غير محتاج إليه ؛ لأنها فطرية ، بخلاف
النظر الأوّل ، فإنكم تنظرون في الأشياء أولا إلى الله عزوجل وآثاره من حيث هي آثاره ، ثمّ إلى الأشياء وافتقارها في
أنفسها.
فإنّا إذا عزمنا
على أمر ـ مثلا ـ وسعينا في إمضائه فلم يكن علمنا أن في الوجود شيئا غير مرئي
الذات يمنعنا عن ذلك ، وعلمنا أنّه غالب على أمره ، وأنّه مسخّر للأشياء على حسب
مشيئته ، ومدبّر لها على حسب إرادته ، وأنّه منزّه عن صفات أمثالنا ، وهذه صفات
بها يعرف صاحبها بعض المعرفة ، وفي هذه الطريقة السالك ، والمسلك ، والمسلوك منه ،
والمسلوك إليه ، كلّه واحد ، وهو البرهان على ذاته تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ) .
وبعد هذه الطريقة
في الإحكام والشرف ، طريقة معرفة النفس ، كما أشير إليه بقولهعليهالسلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» ، «أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه» ، وفي هذه الطريقة يكون المسافر عين الطريق ، فيمتاز عن
سائر الطرق
__________________