احدها : التقدم بالعلية كتقدم العلة على المعلول ، فإن العقل يفرض وجود العلة أوّلا حتى يلحقه وجود المعلول ، فالوجود لا يصل الى المعلول إلّا بعد وصوله الى العلة.
الثاني : التقدم بالذات كتقدم الواحد على الاثنين ، وهو أن يكون المتأخر يستحيل وجوده إلّا بعد وجود المتقدم ويمكن وجود المتقدم منفكا عن المتأخر.
الثالث : التقدم بالزمان ، وهو أن يكون شيئان موجودان في زمانين وزمان أحدهما سابق على زمان الآخر ، فيقال للّذي قارن وجوده (١) الزمان السابق إنه متقدم على الذي قارن وجوده الزمان اللّاحق.
الرابع : التقدم بالمرتبة ، إما حسا كتقدم الإمام على المأموم في المحراب ، أو عقلا كتقدم الجنس على النوع.
الخامس : التقدم بالشرف كتقدم المعلم على متعلّمه. وكذا الكلام في التأخر والمعية ، ولم نر لهم دليلا على هذا الّا الاستقراء (٢).
والمتكلمون أبرزوا قسما سادسا ، وهو تقدم بعض أجزاء الزمان على البعض (٣) ، والأوائل قالوا : التقدم الزماني قد يلحق بعض الأشياء من غير زمان آخر وهو كتقدم بعض اجزاء الزمان على بعض ، وقد يلحق بعضها بشرط وجوده في الزمان وهو الأشياء المغايرة له ، فالقبلية والبعدية لاحقتان للزمان لذاته
__________________
وقد اضاف صدر المتالهين قسمين آخرين للتقدم والتأخر وجعل الاقسام سبعة ، وهما : التقدم بالحقيقة كتقدم الوجود على الماهية ، والتقدم بالحق الذي لا يعرفه الا العالمون الراسخون ـ حسب تعبيره ـ (الاسفار الاربعة ج ٣ ص ٢٥٧).
(١) ب : وجود.
(٢) وقد ذكر قطب الدين الرازي دليلا على هذا التقسيم غير الاستقراء في شرحه على عبارة المحقق الطوسي التي نقلناها في التعليقة السابقة (راجع : هامش شرح الاشارات ج ٣ ص ١٠٩).
(٣) ومثلوا له بتقدم الأمس على اليوم ، فانه كما ليس بالعلية والطبع والرتبة والشرف ليس بالزمان ، لان كلا من الأمس واليوم زمان لا امر يقع في الزمان (انظر : شرح المقاصد ج ١ ص ٢١).