البحث الثالث
في الإحباط والتكفير
لا خلاف بين المسلمين في أن الكفر يزيل استحقاق ثواب الطاعات السابقة ، والإيمان يزيل استحقاق العقاب السابق.
وإنما الخلاف في أنه هل يجوز اجتماع استحقاق الثواب والعقاب من غير أن يحبط أحدهما الآخر أم لا؟
وقبل الخوض في ذلك فاعلم أن الإحباط يراد به خروج الثواب والمدح المستحقين عن كونهما مستحقين بذم أو عقاب أكثر منهما لفاعل الطاعة ، والتكفير هو خروج الذم والعقاب عن كونهما مستحقين بثواب ومدح لفاعل الصغير.
إذا عرفت هذا فنقول : جمهور المعتزلة على أنه لا يمكن اجتماع الاستحقاقين ، والحق عندي خلافه ، ويدل عليه قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (١) ، وقوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٢).
واعلم أن المكلف إذا فعل خمسة أجزاء من الثواب ثم فعل فعلا آخر استحق به خمسة أجزاء من العقاب ، فالطاري إما أن يحبط الأول ولا يزول هو في نفسه وهو قول بالإحباط ، او يحبط الأول ويزول هو أيضا وهو قول أبي هاشم في الموازنة (٣).
__________________
(١) الزلزلة : ٧ ـ ٨.
(٢) النساء : ١٢٣.
(٣) المراد بالموازنة ـ على ما فسرها القاضي عبد الجبار المعتزلي ـ هو أن يأتي المكلف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب وبمعصية استحق عليها عشرين جزءا من العقاب. قال ابو هاشم : يقبح من الله تعالى أن يفعل من العقاب الا عشرة اجزاء ، فاما العشرة الاخرى فانها تسقط بالثواب الذي قد