البحث الثاني
في وجوب المعاد
هذا البحث يتمشى على قواعد المعتزلة دون الأشاعرة ، وذلك لأنا نقول : لو لم يجب المعاد قبح التكليف والتالي باطل والمقدم مثله ، والشرطية ظاهرة لحصول الظلم حينئذ وكون التكليف عبثا ، وهذان المقامان لما أنكرهما الأشاعرة بطل هذا الفرع عندهم.
مسألة : اتفق المسلمون على إثبات المعاد البدني ، ونازعهم الاوائل في ذلك ، والدليل على ثبوته أنه ممكن والصادق أخبر بثبوته فوجب الجزم به.
أما إمكانه ، فلأنه تعالى قادر على كل مقدور وعالم بكل معلوم وذلك يستلزم إمكان الإعادة إما بمعنى جمع الأجزاء ان قلنا باستحالة اعادة المعدوم ، أو بمعنى إيجادها مرة ثانية إن قلنا بجوازها.
وأما الإخبار بالثبوت ، فضروري من دين الأنبياء عليهمالسلام (١).
والمنكرون لذلك قالوا : إن المنقول متأول ولا استبعاد في ذلك فإن آيات التشبيه كثيرة مع أنكم قد تأولتموها.
ثم استدلوا على الامتناع بوجوه :
أحدها : أن العالم دائم الوجود على ما مرّ فالحشر باطل.
الثاني : أن الجنة والنار إن كانتا في هذا العالم لزم التناسخ ، وإن كانتا في عالم
__________________
(١) وقد جاء ذكر المعاد الجسماني في الكتب السماوية وخصوصا في القرآن الكريم ، فانه اهتم به اهتماما بالغا يكشف عنه كثرة الآيات الواردة في مجال المعاد وقد قام بعضهم باحصاء ما يرجع إليه في القرآن فبلغ زهاء الف وأربعمائة آية ، انظر : جعفر السبحاني ، الالهيات ج ٢ ص ٦٦٣.