كان ذلك مصلحة دينية ، وإن تركت لا لذلك كان مصلحة دنيوية ، لأن في ترك الظلم والكذب مصلحة دنيوية ، ضرورة اشتماله على مصلحة النظام ، لكن معنى ترك القبيح لقبحه هو أن الداعي الى ترك الظلم هو كونه ظلما وذلك من صفات القلوب.
فإن جعلنا الإمام لطفا في ترك القبيح سواء كان لوجه قبحه او لا لوجه قبحه كان ذلك الترك مصلحة دنيوية ، فيكون الإمام لطفا في المصالح الدنيوية ، وذلك غير واجب بالاتفاق على الله تعالى.
وإن جعلناه في ترك القبيح لوجه قبحه ، فقد جعلنا الإمام لطفا في صفات القلوب لا في أفعال الجوارح ، وذلك باطل ، لأن الإمام لا اطلاع له على البواطن.
لا يقال : يحصل بسبب الإمام القاهر مواظبة الناس على فعل الواجبات العقلية من أفعال الجوارح ، وذلك يفيد استعدادا تاما لخلوص الداعي في أن ذلك الفعل يفعل لوجه وجوبه ويترك لوجه قبحه وذلك مصلحة دينيّة.
لأنا نقول : هذا يقتضي وجوب اللطف في المصالح الدنيوية على الله تعالى ، لأن على ذلك التقدير تكون المصالح الدنيوية والمواظبة عليها سببا لرعاية المصالح الدينية وذلك غير واجب اتفاقا.
سلمنا لكن متى يكون الإمام من المصالح الدينية إذا كان ظاهرا نافذ الحكم أو اذا لم يكن ، وذلك لان الامام انما يفيد الانزجار عن القبائح والإقدام على الطاعات إذا كان قاهر اليد ، أما إذا لم يكن فلا ، لكنكم لا توجبون ذلك فيما هو لطف غير واجب ، وما يوجبونه فغير لطف.
سلمنا لكن ينتقض ما ذكرتموه بالقضاة والأمراء ، فإنهم إذا كانوا معصومين كان الناس أقرب الى الطاعة وأبعد من المعصية ، وذلك يقتضي كون عصمة هؤلاء لطفا ، فإن وجبت لزم خلاف مذهبكم وإلا انتقض دليلكم ، لكن لا نسلم ان اللطف واجب ، وقد تقدم.