ونقل قاضي القضاة هذا القول عن أبي هاشم ، قال القاضي : (١) لا شك في قبح الظلم ممن ذكرنا إلا أنه لا يستحق به الذم ، لأن استحقاق الذم مشروط بتمكين (٢) الفاعل من الاحتراز عنه لكونه ظلما.
قال أبو هاشم : وقد يقبح الألم لكونه عبثا كمن يستأجر غيره بنزح من ماء الفرات ويقبله فيها من غير عوض (٣) ، فالظلم منتف لوجود العوض والقبح حاصل لحصول (٤) العبث ، وكذلك من خلص غيره من الغرق بشرط كسر يده ولا غرض له في ذلك.
قال أبو علي : علة القبح هاهنا الظلم ، فإن المستأجر ظلم نفسه من حيث أدخل عليه غما بسبب إخراج الأجرة وظلم الموجر من حيث منعه عن منافعه والمخلص ظلم نفسه من حيث منع نفسه من الشكر.
مسألة : نقل قاضي القضاة عن أبي هاشم أن الألم يقبح لكونه ضررا واذا حصل فيه نفع أو دفع ضرر خرج من كونه ضررا ، فالبائع ثوبه بثمن المثل لا يقال إنه أضر بنفسه والمعاقب ليس بمتضرر لتعجيله اللذة في الدنيا ، وألزمه قاضي القضاة بالتاجر بتحمل المشاق لرجاء الربح من غير ربح ، وهو حسن.
لا يقال : إنه لسرّ في حال المشقة.
لأنا نقول : ينبغي اعتبار السرور ، فإن كان موفيا على المضرة حسن والا فلا.
مسألة : الألم الذي يفعله الله تعالى لا بد وأن يكون حسنا لما تقدم وجهة حسنه في غير المكلف كونه لطفا لمكلف آخر مع عوض الزائد اذ لا وجه لاستحقاقه في حق الصبي ، ولا يمكن أن يقال : أنه حسن لدفع الضرر ، لأن الضرر
__________________
(١) قد بحث القاضي عن الآلام ونقل الاقوال فيه في : شرح الأصول الخمسة ص ٤٨٣ فبعد.
(٢) ب : بتمكن.
(٣) ب : غرض.
(٤) الف : بحصول.