البحث السادس
في الألم
قد مر البحث عن ماهيته وعن كثير من احكامه ، فاعلم الآن أنه على قسمين : حسن وقبيح ، فالقبيح ما يصدر عنا والعوض علينا ، والحسن قد يقع منا على وجه الإباحة كالذبح للأكل وعلى وجه الندب كالذبح للأضحية وعلى وجه الوجوب كالذبح المنذور والعوض عليه تعالى في هذه ، وقد يقع منه تعالى إما على جهة الاستحقاق كالعقاب أو على جهة الابتداء كآلام الدنيا غير المستحقة ، واختلف الناس هاهنا : (١)
فقالت الثنوية : يقبح جميع الآلام ، وقالت المجبرة بحسنها أجمع ، وفصل آخرون فقالت البكرية والتناسخية : إنه لا يحسن الّا المستحق وما عداه فهو قبيح ، وأهل العدل قالوا : إنه يحسن منه فعل آلام المستحق وفعل المبتدأ إذ كان ذلك الألم مصلحة لا يحصل من دونه وهو اللطف إما للمتألم أو لغيره بشرط أن يكون في مقابلته (٢) عوض يزيد عن الألم بحيث لو أظهر العوض لاختاره المتألم ، وهذا عندي هو الحق ، أما حسنه بهذه القيود فلا شك فيه ، وأما قبح ما عداها فلأنه يتضمن الضرر الخالي عن النفع.
مسألة : ذهب أبو علي الى أن الألم لا يقبح إلا لكونه ظلما فقط ، وشرط بعضهم في قبح الظلم علم الظالم بكونه ظلما او تمكينه من ذلك.
__________________
(١) انظر عن هذا التفصيل الى : السيد المرتضى ، الذخيرة في علم الكلام ص ٢١٥ فبعد ، والقاضي عبد الجبار ، شرح الاصول الخمسة ص ٤٨٣.
(٢) ب : مقابلة.