البحث الخامس
في اللطف
وهو ما أفاد المكلف هيئة مقربة الى الطاعة ومبعدة عن المعصية ولم يكن له حظ في التمكين ولم يبلغ به الهيئة الى الإلجاء ، فالآلة ليست لطفا لأن لها حظا في التمكين والإلجاء ينافي التكليف بخلاف اللطف.
وذهبت المعتزلة الى انه واجب ، الا ما يحكى عن بشر بن المعتمر قديما ثم نقل عنه الوجوب (١) ، وخالف في ذلك جماعة الأشاعرة (٢).
والدليل على وجوبه أنه يتوقف عليه غرض المكلف فيكون واجبا في الحكمة.
بيان الصغرى ، أن اللطف معناه ليس إلا ما يكون المكلف معه أقرب الى الطاعة وأبعد الى المعصية اللذين تعلقت إرادة المكلف بهما.
وأما الكبرى ، فظاهرة ، فإن العقلاء متى علموا إرادة شخص لفعل من آخر وعلموا أن ذلك الآخر لا يفعله الا بفعل يفعله المريد من غير مشقة ، فمتى لم يفعل حكموا بأنه قد نقض غرضه.
لا يقال : اللطف إما أن تتوقف عليه الفعل أو لا ، فان لم يتوقف جاز التكليف بدونه ، وإن توقف كان له حظ في التمكين ويصير كالقدرة وليس البحث فيه ، ولأن
__________________
(١) نقل الاشعري عن بشر بن المعتمر قوله بعدم وجوب اللطف (مقالات الاسلاميين ج ١ ص ٢٨٧) ، ولكن لم ينقل عنه رجوعه عن هذا القول ولم نجد في سائر المنابع التي بايدينا ذلك أيضا ، ولكن الاشعري نقل عن «جعفر بن حرب» قولا في اللطف يغاير سائر المعتزلة ، ثم قال : وذكر عنه انه رجع عن هذا القول الى قول اكثر اصحابه (نفس المصدر).
(٢) انظر : الجرجاني ، شرح المواقف ج ٨ ص ١٩٦.