والحق أن نقول : إن عني بالقدرة مجموع ما يترتب عليه الأثر فالقدرة ليست صالحة للضدين وإلّا لزم وجودهما معا هذا خلف ، وان عني بها الصفة التي باعتبارها يصح صدور الفعل فلا شك أنها صالحة للضدين ، قالوا : مفهوم القدرة على أحد الضدين غير مفهوم القدرة على الآخر.
والجواب : أن القدرتين قد اشتركتا في مفهوم واحد هو مطلق القدرة ، اللهم الّا أن ينكر الاشتراك المعنوي وحينئذ تقع لفظة القدرة على أنواع لا يتناهى بالاشتراك اللفظي وهو غير مذهوب إليه ، وبالجملة فالحجة عندي ضعيفة ومطلوبهم مستبعد.
مسألة : القدرة متقدمة على الفعل ، وهو مذهب المعتزلة وجماعة كثيرة من الأوائل ، حتى أن الخوارزمي ادعى الضرورة في ذلك.
وذهب آخرون منهم والأشاعرة الى أنها مقارنة ، واستبعده الرئيس (١).
لنا أن القدرة صالحة للضدين ، فلو لم يكن متقدمة لزم اجتماع الضدين.
وأيضا الكافر مكلف بالإيمان ، فلو لم يكن قادرا لزم تكليف ما لا يطاق ، ولأن التكليف عندهم حالة القدرة التي هي حالة الفعل فيلزم انتفاء العصيان.
احتجت الأشاعرة بأن القدرة عرض والعرض لا يبقى فالقدرة لا تبقى ، أما الصغرى فظاهرة وأما الكبرى فسيأتي بيانها ، واذا لم تكن باقية فلو تقدمت الفعل لم يكن الفعل واقعا بها فلا يكون الفاعل قادرا ، وأيضا حال وجود القدرة الفعل معدوم فهو غير مقدور.
أمّا أولا فلأن الأعدام لا تستند الى القدرة.
وأما ثانيا فلأن الباقي لا يستند إليها.
وهاتان الحجتان عندي ضعيفتان ، أما الأولى فلأن الأعراض عندنا باقية ،
__________________
(١) انظر : المباحث المشرقية ج ١ ص ٣٨٢.