ابن أمير المسلمين عليّ بن يوسف بن تاشفين ، فلمّا تراءى الجمعان كلّموا المرابطين بما أمرهم به ابن تومرت ، فردوا عليهم أسوأ ردّ ، ووقع القتال ، فانهزم المصامدة ، وقتل منهم مقتلة ، ونجا عبد المؤمن. فلمّا بلغ الخبر ابن تومرت قال : أليس قد نجا عبد المؤمن؟
قيل : نعم.
قال : لم يفقد أحد.
ثمّ أخذ يهوّن عليهم ، ويقرّر عندهم أنّ قتلاهم شهداء ، فزادهم حرصا على الحرب.
وقال الأمير عزيز في كتاب «الجمع والبيان في أخبار القيروان» إنّ ابن تومرت أقام بتينمل ، وسمّى أصحابه وأتباعه بالموحّدين ، والمخالفين أمره :مجسّمين. وأقام على ذلك نحو العام ، فاشتهر أمره سنة خمس عشرة ، وبايعته هرغة على أنّه المهديّ ، فجهّز له عليّ بن يوسف جيشا من الملثّمين ، فقال ابن تومرت لأصحابه الّذين بايعوه : إنّ هؤلاء قد جاءوا في طلبي ، وأخاف عليكم منهم ، والرأي أن أخرج عنكم بنفسي إلى غير هذه البلاد لتسلموا أنتم.
فقام بين يده ابن توفيان ، من مشايخ هرغة ، وقال له : تخاف شيئا من السّماء؟ قال : لا ، بل من السماء تنصر. فقال ابن توفيان : فدع كلّ من في الأرض يأتينا. ووافقه جميع قبيلته على ذلك القول. فقال : إنّما أردت أن أختبر صبركم وثباتكم وأمّا الآن ، فابشروا بالنّصر ، وأنّكم تغلبون هؤلاء الشّرذمة ، بعد قليل تستأصلون دولتهم ، وترثون أرضهم. فالتقوا جيش الملثّمين فهزموهم ، وأخذوا الغنيمة ، ووثقت نفوسهم بالمهديّ ، وأقبلت إليه أفواج القبائل من النّواحي ووحّدت قبيلة هنتاتة ، وهي من أقوى القبائل ، إلى أن قال :
ثمّ نهج لهم طريق التّودّد والآداب ، فلا يخاطبون الواحد منهم إلّا بضمير الجمع في وقار وبشاشة ، ولا يلبسون إلّا الثّياب القصيرة الرخيصة ، ولا يخلون يوما من طراد ومناصفة ونضارة (١). وكان في كلّ قبيلة قوم أشرار مفسدون ، فنظر
__________________
(١) في الأصل : «ونضالا».