وجعل منهم الخمسين ، وهم الطّبقة الثّانية.
وهذه الطّبقات لا تجمعها قبيلة ، بل هم من قبائل متفرقة. وكان يسمّيهم المؤمنين ، ويقول لهم : ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم ، وأنتم العصابة المعنيّون بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تزال طائفة بالمغرب ظاهرين على الحقّ ، لا يضرّهم من خذلهم حتّى يأتي أمر الله» (١).
وأنتم الّذين يفتح الله بكم الرّوم ، ويقتل بكم الدّجّال ، ومنكم الأمير الّذي يصلّي بعيسى بن مريم.
هذا مع جزئيّات كان يخبرهم بها وقع أكثرها. وكان يقول : لو شئت أن أعدّ خلفاءكم خليفة خليفة لعددت. فعظمت فتنة العوامّ به ، وبالغوا في طاعته ، إلى أن بلغوا حدّا لو أمر أحدهم بقتل أبيه أو أخيه أو ابنه لقتله.
وسهّل ذلك عليهم ما في طباعهم من القسوة المعهودة في أهل الجبال ، لا سيما الخاربة البربر ، فإنّهم جبلوا على الإقدام على الدّماء ، واقتضاه إقليمهم.
حتّى قيل إنّ الإسكندر أهديت له فرس لا تسبق ، لكنّها لا تصهل ، فلمّا حلّ بجبال درن ، وهي بلاد المصامدة هذه ، وشربت تلك الفرس من مياهها صهلت.
فكتب الإسكندر إلى الحكيم يخبره ، فكتب إليه : هذه بلاد سرّ وقسوة ، فعجّل بالخروج منها. وأنا فقد شاهدت من إقدامهم على القتل لمّا كنت بالسّوس ما قضيت منه العجب.
قال : وقوي أمر ابن تومرت في سنة خمس عشرة وخمسمائة ، فلمّا كان في سنة سبع عشرة جهّز جيشا من المصامدة ، جلّهم من أهل تينمل والسّوس ، وقال لهم : اقصدوا هؤلاء المارقين المبدّلين الّذين تسمّوا بالمرابطين ، فادعوهم إلى إماتة المنكر ، وإزالة البدع ، والإقرار بالإمام المهديّ المعصوم ، فإن أجابوكم فهم إخوانكم ، وإلّا فقاتلوهم ، وقد أباحت لكم السّنّة قتالهم.
وقدّم عليهم عبد المؤمن ، فسار بهم قاصدا مرّاكش ، فخرج لقتالهم الزّبير
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإمارة (١٩٢٥) ، والمراد به أهل الشام فهم في الغرب من المدينة المنوّرة وليس أهل المغرب كما ادّعى ابن تومرت.