كبرائها. فأتى فاس ، وأظهر الأمر بالمعروف ، وكان جلّ ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريقة الأشعريّة. وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم ، ويعادون من ظهرت عليه. فجمع والي فاس الفقهاء له ، فناظرهم ، فظهر عليهم لأنّه وجد جوّا خاليا وناسا لا علم لهم بالكلام ، فأشاروا على المتولّي بإخراجه. فسار إلى مرّاكش ، وكتبوا بخبره إلى ابن تاشفين ، فجمع له الفقهاء ، فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلّا مالك بن وهيب ، وكان متفنّنا قد نظر في الفلسفة. فلمّا سمع كلامه استشعر حدّته وذكاءه (١) فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتله ، وقال :هذا لا تؤمن عائلته ، وإن وقع في بلاد المصامدة قوي شرّه ، فتوقّف عن قتله دينا ، فأشار عليه بحبسه ، فقال : علام أسجن مسلما لم يتعيّن لنا عليه حقّ. ولكن يخرج عنّا.
فذهب هو وأصحابه إلى السّوس ، ونزل تينمل. ومن هذا الموضع قام أمره ، وبه قبره ، فلمّا نزله اجتمع إليه المصامدة ، فشرع في بثّ العلم والدّعاء إلى الخير. وكتم أمره ، وصنّف لهم عقيدة بلسانهم ، وعظم في أعينهم ، وأحبّته قلوبهم. فلمّا استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، ونهاهم عن سفك الدّماء ، فأقاموا على ذلك مدّة ، وأمر رجالا منهم ممّن استصلح عقولهم بنصب الدّعوة. واستمال رؤساء القبائل ، وأخذ يذكّر المهديّ ويشوّق إليه ، وجمع الأحاديث الّتي جاءت في فضله ، فلمّا قرّر عندهم عظمة المهديّ ونسبه ونعته ، ادّعى ذلك لنفسه ، وقال : أنا محمد بن عبد الله ، وسرد له نسبا إلى عليّ عليهالسلام ، وصرّح بدعوى العصمة لنفسه ، وأنّه المهديّ المعصوم ، وبسط يده للمبايعة فبايعوه ، فقال : أبايعكم على ما أبايع عليه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وصنّف لهم تصانيف في العلم ، منها (٢) كتاب سمّاه «أعزّ ما يطلب» ، وعقائد على مذهب الأشعريّ في أكثر المسائل إلّا في إثبات الصّفات ، فإنّه وافق المعتزلة في نفيها ، وفي مسائل غيرها قليلة.
وكان يبطن شيئا من التّشيّع. ورتّب أصحابه طبقات ، فجعل منهم العشرة ، وهم الأوّلون السّابقون إلى إجابته. وهم الملقّبون بالجماعة.
__________________
(١) في الأصل : «وذكائه».
(٢) في الأصل : «منهم».