يقال : كون الشيء واحدا غير كونه موجودا أو إنسانا. وهو في ذاته أقدم منهما ، فالحيوان الواحد لا يحصل واحدا إلا وقد تقدمه معنى الوحدة الذي صار به واحدا ، ولولاه لم يصح وجوده. فإذن هو الأشرف الأبسط الأول ، وهذه صورة العقل ، فالعقل يجب أن يكون الواحد من هذه الجهة. والعلم دون ذلك في الرتبة ، لأنه بالعقل ومن العقل. فهو كالاثنين الذي يفتقر إلى الواحد ويصدر منه. وكذلك العلم يؤول إلى العقل. ومعنى الظن والرأي عدد السطح ، والحس عدد الصمت : أن السطح لكونه ذا ثلاث جهات هو طبيعة الظن الذي هو أعلم من العلم مرتبة ، وذلك لأن العلم يتعلق بمعلوم معين ، والظن والرأي ينجذب إلى الشيء ونقيضه ، والحس أعم من الظن ، فهو المصمت أي الجسم له أربع جهات.
ومما نقل عن فيثاغورس أن العالم إنما ألف من اللحون البسيطة الروحانية. ويذكر أن الأعداد الروحانية غير منقطعة ، بل أعداد متحدة تتجزأ من نحو العقل ، ولا تتجزأ من نحو الحواس. وعدّ عوالم كثيرة. فمنه عالم هو سرور محض في أصل الإبداع ، وابتهاج وروح في وضع الفطرة ، ومنه عالم هو دونه ، ومنطقها ليس مثل منطق العوالم العالية ، فإن المنطق قد يكون باللحون الروحانية البسيطة ، وقد يكون باللحون الروحانية المركبة.
والأول يكون سرورها دائما غير منقطع ، ومن اللحون ما هو بعد ناقص في التركيب لأن المنطق بعد لم يخرج إلى الفعل ، فلا يكون السرور بغاية الكمال ؛ لأن اللحن ليس بغاية الاتفاق.
__________________
ـ بدأ حياة الإنتاج في سن مبكرة فترك لنا التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات. وقد تكلم في أشياء من الإلهيات والنبويات والمعاد والشرائع لم يتكلم بها سلفه ، ولا وصلت إليها عقولهم ، ولا بلغتها علومهم ؛ فإنه استفادها من المسلمين. صنف ابن سينا نحو مائة كتاب ونظم الشعر الفلسفي ، ودرس اللغة حتى بار كبار المنشئين. توفي سنة ٤٢٨ ه / ١٠٣٧ م. وأشهر كتبه «القانون» في الطب ، ويسميه علماء الفرنج (Canonmedicina (، وقد ترجم إلى عدة لغات وبقي يعمل به مدة ستة قرون. ومن تصانيفه أيضا «المعاد» و «الشفاء» و «السياسة» و «أسرار الحكمة المشرقية». (تاريخ حكماء الإسلام ص ٢٧ ـ ٧٢ وانظر وفيات الأعيان ١ : ١٥٢ ودائرة المعارف الإسلامية ١ : ٢٠٣).