متناسبة لحنية (١) هي أشرف الحركات ، وألطف التأليفات. ثم تعدوا من ذلك إلى الأقوال حتى صارت طائفة منهم إلى أن المبادي هي الحروف والحدود المجردة عن المادة ، وأوقعوا الألف في مقابلة الواحد ، والباء في مقابلة الاثنين ، إلى غير ذلك من المقابلات.
ولست أدري : على أي لسان ولغة قدروها؟ فإن الألسن تختلف باختلاف الأمصار والمدن ، أو على أي وجه من التركيب؟ فإن التركيبات أيضا مختلفة ، فالبسائط من الحروف مختلف فيها ، والمركبات كذلك. ولا كذلك العدد فإنه لا يختلف أصلا.
وصارت جماعة منهم إلى أن مبدأ الجسم هو الأبعاد الثلاثة ، والجسم مركب عنها. وأوقعوا النقطة في مقابلة الواحد ، والخط في مقابلة الاثنين ، والسطح في مقابلة الثلاثة ، والجسم في مقابلة الأربعة. وراعوا هذه المقابلات في تراكيب الأجسام ، وتضاعيف الأعداد.
ومما ينقل عن فيثاغورس أن الطبائع أربعة ، والنفوس التي فينا أيضا أربعة : العقل والعلم ، والرأي ، والحواس. ثم ركب فيه العدد على المعدود ، والروحاني على الجسماني.
قال الرئيس أبو علي الحسين بن سينا (٢) : وأمثل ما يحمل عليه هذا القول أن
__________________
(١) من المأثور عن الفيثاغوريين قولهم إن لحركات الأفلاك نغمات ، وحجتهم في ذلك أن الجسم إذا تحرك بسرعة أحدث صوتا هو صوت اهتزاز الهواء أو الأثير ، فلا بدّ أن يكون لحركات الأفلاك في الأثير العلوي أصوات ، ولا بدّ أن يكون في السماء ألحان ، وإن كنا لا نشعر بها ، ولا يبعد أنهم كانوا يخرجون من هذا القول إلى مثل ما خرج إليه إخوان الصفاء حيث قالوا : اعلم يا أخي أنه لو لم يكن لحركات أشخاص الأفلاك أصوات ولا نغمات لم يكن لأهلها فائدة من القوة السامعة الموجودة فيهم. (انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص ٢٦ ورسائل إخوان الصفا ١ : ١٥٢ ، ١٦٨ وموسوعة الفلسفة ٢ : ١٨٠ ـ ١٨٣).
(٢) ظهر ابن سينا في عصر اضطربت فيه أحوال الدولة العباسية وأنهار سلطانها وكان مولده في سنة ٣٧٠ ه / ٩٨٠ م بحسب رواية القفطي وابن خلكان ، أما ابن أبي أصيبعة فيجعل سنة ٣٧٥ ه مولد الشيخ الرئيس. ـ