التسعة بأفلاكها التي هي أبدانها وعقولها المفارقة كالجوهر وتسعة أعراض. وبالجملة إنما يتعرف حال الموجودات من العدد والمقادير الأول ويقول : الباري تعالى عالم بجميع المعلومات على طريق الإحاطة بالأسباب التي هي الأعداد والمقادير ، وهي لا تختلف ، فعلمه لا يختلف.
وربما يقول : المقابل للواحد هو العنصر الأول كما قال أنكسيمانس ، ويسميه الهيولى (١) الأولى ، وذلك هو الواحد المستفاد ، لا الواحد الذي هو كالآحاد ، وهو واحد ، كل تصدر عنه كل كثرة ، وتستفيد الكثرة منه الوحدة التي تلازم الموجودات ولا تفارقها البتة كما قررنا. وذكر أن العنصر انفرد بوحدته ثم أفاضها على الموجودات ، فلا يوجد موجود إلا وفيه من وحدته حظ على قدر استعداده. ثم من هداية العقل حظ على قدر قبوله. ثم من قوة النفس حظ على قدر تهيئه ، وعلى ذلك آثار المبادي في المركبات ، فإن كل مركب لا يخلو عن مزاج ما. وكل مزاج لا يعرى عن اعتدال ما ، وكل اعتدال عن كمال أو قوة كمال : إما طبيعي آلي وهو مبدأ الحركة. وإما عن كمال نفساني هو مبدأ الحس ، فإذا بلغ المزاج الإنساني إلى حد قبول هذا الكمال أفاض عليه العنصر وحدته ، والعقل هدايته ، والنفس نطقه وحكمته.
قال : ولما كانت التأليفات الهندسية مرتبة على المعادلات العددية عددناها أيضا من المبادي. فصارت طائفة من الفيثاغوريين إلى أن المبادي هي التأليفات الهندسية على مناسبات عددية ، ولهذا صارت المتحركات السماوية ذات حركات
__________________
(١) الهيولى في عرف الحكماء هي الجوهر القابل للاتصال والانفصال ، وهي محل للصورتين أي الجسمية والنوعية وهي الهيولى الأولى وأما الهيولى الثانية فهي جسم تركب منه جسم آخر. والهيولى لفظ يوناني معناه الأصل والمادة. وفي المقابسات ، ما الهيولى؟ والجواب : هي قوة موضوعة تجعل الصور منفعلة. وقال ابن سينا في الرسالة الرابعة : «أما الهيولى المطلقة فهي جوهر ووجوده بالفعل إنما يحصل بقبول الصورة الجسمية لقوة فيه قابلة للصور ، وليس له في ذاته صورة تخصه ، إلا معنى القوة ...».