متحركة طالبة درجة العقل. ثم قالوا : العقل ساكن بنوع حركة ، أي هو في ذاته كامل بالفعل، فاعل يخرج النفس من القوة إلى الفعل ، والفعل نوع حركة في سكون ، والكمال نوع سكون في حركة ، أي هو كامل ومكمل غيره ، فعلى هذا المعنى يجوز على قضية مذهبهم إضافة الحركة والسكون إلى الباري تعالى.
ومن العجب أن مثل هذا الاختلاف قد وجد في أرباب الملل حتى صار بعض إلى أنه تعالى مستقر في مكان ، ومستو على مكان ، وذلك إشارة إلى السكون. وصار بعض إلى أنه يجيء ويذهب ، وينزل ويصعد ، وذلك عبارة عن الحركة. إلا أن يحمل على معنى صحيح لائق بجناب القدس ، حقيق بجلال الحق.
ومما نقل عن أنباذقليس في أمر المعاد أنه قال : يبقى هذا العالم على الوجه الذي عهدناه من النفوس التي تشبثت بالطبائع ، والأرواح التي تعلقت بالشباك حتى تستغيث في آخر الأمر إلى النفس الكلية التي هي كلها ، فتتضرع النفس إلى العقل ، ويتضرع العقل إلى الباري تعالى ، فيسيح الباري تعالى على العقل ، ويسيح العقل على النفس وتسيح النفس على هذا العالم بكل نورها فتستضيء الأنفس الجزئية ، وتشرق الأرض بنور ربها حتى تعاين الجزئيات كلياتها ، فتتخلص من الشبكة فتتصل بكلياتها ، وتستقر في عالمها مسرورة محبورة (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (١).
٥ ـ رأي فيثاغورس (٢)
ابن منسارخس من أهل ساميا (٣). وكان في زمان سليمان النبي ابن داود عليهماالسلام ، قد أخذ الحكمة من معدن النبوة ، وهو الحكيم الفاضل ذو الرأي
__________________
(١) سورة النور : الآية ٤٠.
(٢) روى بعض المؤرخين أن فيثاغورس من أصل فينيقي ومن مواليد صور ، إلا أن أكثر الروايات تجعل مولده في جزيرة ساموس ، وتثبت أنه هجر وطنه حوالي سنة ٥٣٢ ق. م. واستوطن صقلية حيث تحلق حوله طلاب الحكمة يذهبون مذهبه في الامتناع عن أكل اللحوم وبعض الحبوب ، وعن اتخاذ الألبسة من جلد الحيوان ، وما إلى ذلك مما يعود إلى اعتقادهم بالتناسخ وقد توفي فيثاغورس سنة ٤٩٧ ق. م.
(٣) انظر ص ٦١ ج ٢.