وأبطل الكون والاستحالة والنمو ، وقال : الهواء لا يستحيل نارا ، ولا الماء هواء ولكن ذلك بتكاثف وتخلخل ، وبكمون وظهور ، وتركب وتحلل. وإنما التركب في المركبات بالمحبة يكون والتحلل في المتحللات بالغلبة يكون (١).
ومما نقل عنه أيضا : أنه تكلم في الباري تعالى بنوع حركة وسكون ، فقال : إنه متحرك بنوع سكون ، لأن العقل والعنصر متحركان بنوع سكون ، وهو مبدعهما ، ولا محالة أن المبدع أكبر ، لأنه علة كل متحرك وساكن ، وشايعه على هذا الرأي فيثاغورس ومن بعده من الحكماء إلى أفلاطون. وأما زينون الأكبر ، وديمقريط ، والشاعريون فصاروا إلى أنه تعالى متحرك. وقد سبق النقل عن أنكساغورس أنه قال : هو ساكن لا يتحرك لأن الحركة لا تكون إلا محدثة. ثم قال : إلا أن تقولوا إن تلك الحركة فوق هذه الحركة كما إن ذلك السكون فوق هذا السكون.
وهؤلاء ما عنوا بالحركة والسكون النقلة عن مكان واللبث في مكان ، ولا بالحركة التغير والاستحالة ، ولا بالسكون ثبات الجوهر والدوام على حالة واحدة ، فإن الأزلية والقدم تنافي هذه المعاني كلها.
ومن يحترز ذلك الاحتراز عن التكثر ، فكيف يجازف هذه المجازفة في التغير؟ فأما الحركة والسكون في العقل والنفس ، فإنما عنوا بهما الفعل والانفعال ، وذلك أن العقل لما كان موجودا كاملا بالفعل قالوا : هو ساكن واحد مستغن عن حركة يصير بها فاعلا والنفس لما كانت ناقصة متوجهة إلى الكمال ، قالوا : هي
__________________
(١) العالم عند أمبادقليس سائر في حلقة متصلة يبدأ من حيث ينتهي وينتهي من حيث يبدأ ، وهو يصوره لنا في صورة الكرة ، لأنه في الكرة لا يوجد تنازع بل كلها استواء في استواء. وعن هذا الخليط ينشأ الوجود ، وذلك بدخول مبدأ الكراهية في هذا الخليط السائدة فيه المحبة وحدها ، وذلك لأنه لكي يتم الوجود لا بدّ أن يأتي زمان ينتقل فيه الكون ، الذي هو المحبة إلى الحركة التي توجد فيها الكراهية أو تتم عن طريقها الكراهية. وأول ما يتم ذلك بأن يأتي مبدأ الكراهية ويدخل في هذا الخليط الأول ويحدث انفصالا تاما بين جميع الجزئيات ، ثم يأتي جزء من مبدأ المحبة أو مبدأ المحبة نفسه فيدخل جزءا من الخليط المشتت وبدخوله يحدث تجمعا بين الجزئيات المنفصلة ويتم هذا التجمع على شكل دوامة ، وبعد هذا ينشأ الوجود من هذه الدوامة الأولى. (موسوعة الفلسفة ١ : ٢٢٨).