والظهور ، وفي بيانه سبب الترتيب وتعيينه المرتب. وإنما عقب مذهبه برأي تاليس ، لأنهما من أهل ملطية ، ومتقاربان في إثبات العنصر الأول ، والصور فيه متمثلة ، والجسم الأول والموجودات فيه كامنة.
وحكى أرسطوطاليس عنه : أن الجسم الذي تكون منه الأشياء غير قابل للكثرة. قال: وأومأ إلى أن الكثرة جاءت من قبل الباري تعالى وتقدس.
٣ ـ رأي أنكسيمانس (١)
وهو من الملطيين المعروف بالحكمة ، المذكور بالخير عندهم. قال : إن الباري تعالى أزلي لا أول له ولا آخر.
هو مبدأ الأشياء ولا بدء له. هو المدرك من خلقه أنه هو فقط ، وأنه لا هوية تشبهه ، وكل هوية فمبدعة منه ، هو الواحد ليس كواحد الأعداد ، لأن واحد الأعداد يتكثر وهو لا يتكثر ، وكل مبدع ظهرت صورته في حد الإبداع فقد كانت صورته في علمه الأول ، والصور عنده بلا نهاية.
قال : ولا يجوز في الباري تعالى إلا أحد قولين : إما أن نقول إنه أبدع ما في علمه ، وإما أن نقول إنما أبدع أشياء لا يعلمها ، وهذا من القول المستشنع. وإن قلنا أبدع ما في علمه فالصورة أزلية بأزليته ، وليس تتكثر ذاته بتكثر المعلومات ، ولا تتغير بتغيرها. قال : أبدع بوحدانيته صورة العنصر ، ثم صورة العقل انبعث عنها ببدعة الباري تعالى. فرتب العنصر في العقل ألوان الصور على قدر ما فيها من طبقات الأنوار وأصناف الآثار ، وصارت تلك الطبقات صورا كثيرة دفعة واحدة ، كما تحدث الصور في المرآة الصقيلة بلا زمان ، ولا ترتيب بعض على بعض. غير أن
__________________
(١) أنكسيمانس : وقد ظهر قبل العالم ٤٩٤ ق. م. ورأى أن الهواء هو العنصر الأساسي لأنه أكثر قابلية من الماء للتغير واتخاذ الأشكال المختلفة بل ويتغلغل في الأشياء والأحياء مهما دقت. أليست الحياة في صميمها أنفاسا من الهواء تتردد في الصدر شهيقا وزفيرا ، إذن فهو الجوهر الأول الذي صدرت عنه جميع الكائنات. توفي سنة ٥٢٤ ق. م. (قصة الفلسفة اليونانية ص ٢٦).