الكل ، لا نهاية له. ولم نبين ما ذلك الجسم ، أهو من العناصر؟ أم خارج عن ذلك؟ قال : ومنه تخرج جميع الأجسام والقوة الجسمانية والأنواع والأصناف.
وهو أول من قال بالكمون والظهور ، حيث قدر الأشياء كلها كامنة في الجسم الأول وإنما الوجود ظهورها من ذلك الجسم نوعا وصنفا ومقدارا وشكلا وتكاثفا وتخلخلا ، كما تظهر السنبلة من الحبة الواحدة ، والنخلة الباسقة من النواة الصغيرة ، والإنسان الكامل الصورة من النطفة المهينة ، والطير من البيض ، فكل ذلك ظهور عن كمون ، وفعل عن قوة ، وصورة عن استعداد مادة ، وإنما الإبداع واحد ، ولم يكن بشيء آخر سوى ذلك الجسم الأول.
وحكي عنه أنه قال : كانت الأشياء ساكنة ، ثم إن العقل رتبها ترتيبا على أحسن نظام ، فوضعها مواضعها من عال ، ومن سافل ، ومن متوسط. ثم من متحرك ، ومن ساكن ، ومن مستقيم في الحركة ، ومن دائر. ومن أفلاك متحركة على الدوران ، ومن عناصر متحركة على الاستقامة ، وهذه كلها بهذا الترتيب مظهرات لما في الجسم الأول من الموجودات.
ويحكى عنه أن المرتّب هو الطبيعة ، وربما يقول : المرتّب هو الباري تعالى ، وإذا كان المبدأ الأول عنده ذلك الجسم ، فمقتضى مذهبه أن يكون المعاد إلى ذلك الجسم. وإذا كانت النشأة الأولى هي الظهور ، فيقتضي أن تكون النشأة الثانية هي الكمون ، وذلك قريب من مذهب من يقول بالهيولى الأولى التي حدثت فيها الصور ، إلا أنه أثبت جسما غير متناه بالفعل هو متشابه الأجزاء ، وأصحاب الهيولى لا يثبتون جسما بالفعل وقد رد عليه الحكماء المتأخرون في إثباته جسما مطلقا لم يعين له صورة سماوية أو عنصرية ، وفي نفيه النهاية عنه ، وفي قوله بالكمون
__________________
ـ على ستة أقسام في كل قسم تسع رسائل فسميت ب «التاسوعات» وكتب أيضا ضد النصرانية ودافع عن السحر والعرافة والتنجيم ، وكانت الكنيسة تحاربها. متوفى نحو ٣٠٥ ق. م. (الفهرست لابن النديم ص ٣٥٤).