٢ ـ رأي أنكساغورس (١)
وهو أيضا من أهل ملطية ، رأى في الوحدانية مثل ما رأى تاليس ، وخالفه في المبدأ الأول .. قال إن مبدأ الموجودات هو جسم أول متشابه الأجزاء ، وهي أجزاء لطيفة لا يدركها الحس ، ولا ينالها العقل. منها كون الكون كله العلوي منه والسفلي ، لأن المركبات مسبوقة بالبسائط ، والمختلفات أيضا مسبوقة بالمشابهات ، أليست المركبات كلها إنما امتزجت وتركبت من العناصر ، وهي بسائط متشابهة الأجزاء؟ وأ ليس الحيوان والنبات وكل ما يغتذي فإنما يغتذي من أجزاء متشابهة أو غير متشابهة ، فتجتمع في المعدة فتصير متشابهة ، ثم تجري في العروق والشرايين فتستحيل أجزاء مختلفة مثل الدم ، واللحم والعظم (٢)؟.
وحكى عنه أيضا أنه وافق سائر الحكماء في المبدأ الأول أنه العقل الفعال ، غير أنه خالفهم في قوله إن الأول الحق تعالى ساكن غير متحرك. وسنشرح القول في السكون والحركة له تعالى ، ونبين اصطلاحهم في ذلك.
وحكى فرفوريوس (٣) عنه أنه قال : إن أصل الأشياء جسم واحد موضوع
__________________
(١) أنكساغورس : كان تلميذا لطاليس ، وكان أول من أدخل الفلسفة إلى أثينا لكنه خالف أستاذه في كون الماء أصل الوجود. فمهما بلغ الماء من المرونة وقابلية التشكل فهو ذو صفات معروفة معينة تستطيع أن تميزه بها عن المواد الأخرى. ومعنى ذلك أن ثمت صفات تناقض صفات الماء ، لأنك لا تدرك الصفة إلا إذا أدركت نقيضها. فلا تفهم الحرارة إلا إذا اقترنت في ذهنك بالبرودة. فإذا انعدم هذا التقابل انعدمت كذلك الخصائص والصفات. وما دام الأمر كذلك فلا يعقل أن تكون المخلوقات جميعا على تناقض صفاتها مشتقة من أصل واحد ذي صفة معينة معروفة. وإنما أصل الكون مادة لا شكل لها ولا نهاية ولا حدود.
(٢) وفي اعتقاده أن الأشياء متباينة في الحقيقة كما تبدو لنا وأن قسمة الأجسام بالغة ما بلغت تنتهي دائما إلى أجزاء مجانسة للكل ، تنتهي إلى لحم في اللحم وعظم في العظم ، وهو يزعم أن كل جسم مركب من أجزاء صغيرة متجانسة ، فالدم مثلا مركب من أجزاء صغيرة من الدم ، والماء من أجزاء صغيرة من الماء. وهكذا سائر الأشياء. (تاريخ الفلسفة اليونانية ص ٤١).
(٣) فرفريوس : هو ملخوس السوري الملقب بفرفريوس أظهر تلاميذ أفلوطين ومن أتباع الأفلاطونية الجديدة. وقد شرح محاورات أفلاطون الكبرى ، وشرح من كتب أرسطو المقولات والأخلاق والطبيعة والإلهيات ، وبعد وفاة أفلوطين جمع رسائله وكانت أربعا وخمسين وقدم لها ترجمة لحياة أفلوطين ووزعها ـ