مدبرات هذا العالم ، وهم الآباء. والعناصر أمهات. والمركبات مواليد. والآباء أحياء ناطقون ، يؤدون الآثار إلى العناصر. فتقبلها العناصر في أرحامها ، فيحصل من ذلك المواليد. ثم من المواليد قد يتفق شخص مركب من صفوها دون كدرها. ويحصل له مزاج كامل الاستعداد ، فيتشخص الإله به في العالم.
ثم إن طبيعة الكل تحدث في كل إقليم من الأقاليم المسكونة على رأس كل ستة وثلاثين ألف سنة وأربعمائة وخمس وعشرين سنة : زوجين من كل نوع من أجناس الحيوانات ذكرا وأنثى ؛ من الإنسان وغيره. فيبقى ذلك النوع تلك المدة ثم إذا انقضى الدور بتمامه انقطعت الأنواع : نسلها ، وتوالدها ، فيبتدئ دور آخر ، ويحدث قرن آخر من الإنسان ، والحيوان ، والنبات ، وكذلك أبد الدهر. قالوا : وهذه هي القيامة الموعودة على لسان الأنبياءعليهمالسلام ، وإلا فلا دار سوى هذه الدار (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (١) ولا يتصور إحياء الموتى وبعث من في القبور (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ؟ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (٢).
وهم الذين أخبر التنزيل عنهم بهذه المقالة.
١ ـ القول بالتناسخ والحلول
وإنما نشأ أصل التناسخ والحلول من هؤلاء القوم.
فإن التناسخ هو أن تتكرر الأكوار والأدوار إلى ما لا نهاية له. ويحدث في كل دور مثل ما حدث في الأول. والثواب والعقاب في هذه الدار ؛ لا في دار أخرى لا عمل فيها.
والأعمال التي نحن فيها إنما هي أجزية على أعمال سلفت منا في الأدوار الماضية. فالراحة والسرور ، والفرح والدعة التي نجدها هي مرتبة على أعمال البر
__________________
(١) سورة الجاثية : الآية ٢٤.
(٢) سورة المؤمنون : الآيتان ٣٥ و ٣٦.