قرر مذهب الحنفاء ، وأبطل مذاهب الصابئة ، وبيّن أن الفطرة هي الحنيفية ، وأن الطهارة فيها ، وأن الشهادة بالتوحيد مقصورة عليها ، وأن النجاة والخلاص متعلقة بها ، وأن الشرائع والأحكام مشارع ومناهج إليها. وأن الأنبياء والرسل مبعوثون لتقريرها وتقديرها ، وأن الفاتحة والخاتمة ، والمبدأ والكمال منوطة بتحصيلها وتحريرها (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (١) والصراط المستقيم ، والمنهج الواضح ، والمسلك اللائح. قال الله تعالى لنبيه المصطفىصلىاللهعليهوسلم : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها* لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ* ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(٢).
الفصل الرابع
الحرنانيّة (٣) ومقالاتهم
وهم جماعة من الصابئة ، قالوا : إن الصانع المعبود واحد وكثير. أما واحد ففي الذات ، والأول ، والأصل ، والأزل. وأما كثير فلأنه يتكسر بالأشخاص في رأي العين ، وهي المدبرات السبعة والأشخاص الأرضية الخيرة ، العالمة ، الفاضلة. فإنه يظهر بها ، ويتشخص بأشخاصها. ولا تبطل وحدته في ذاته.
وقالوا : هو أبدع الفلك وجميع ما فيه من الأجرام والكواكب ، وجعلها
__________________
(١) سورة الروم : الآية ٣٠.
(٢) سورة الروم : الآيات ٣٠ و ٣١ و ٣٢.
(٣) وهم جماعة من صابئة الكلدانيين أجمعوا على أن للعالم علة لم يزل واحدا لا يتكثر ، لا يلحقه صفة شيء من المعلومات ، كلف أهل التمييز من خلقه الإقرار بربوبيته وأوضح لهم السبيل وبعث رسلا للدلالة وتثبيتا للحجة أمرهم أن يدعوا إلى رضوانه ويحذروا من غضبه ، ووعدوا من أطاع نعيما لا يزول ، وأوعدوا من عصى عذابا واقتصاصا بقدر استحقاقه. ومن مشهوريهم عاذيمون وهرمس ، وذكر بعضهم سولون. وافترضوا من الصلاة ثلاثا كل يوم ، ولا صلاة إلا على طهور ، وصيامهم ثلاثون يوما ، ولهم قربان يتقربون به.