التي سلفت منا في الأدوار الماضية. والغم والحزن ، والضنك (١) والكلفة التي نجدها هي مرتبة على أعمال الفجور التي سبقت منا.
وكذا كان في الأول ، وكذا يكون في الآخر. والانصرام من كل وجه غير متصور من الحكيم.
وأما الحلول فهو التشخص الذي ذكرناه ، وربما يكون ذلك بحلول ذاته ، وربما يكون بحلول جزء من ذاته ؛ على قدر استعداد مزاج الشخص.
وربما قالوا إنما تشخص بالهياكل السماوية كلها ، وهو واحد ، وإنما يظهر فعله في واحد واحد بقدر آثاره فيه ، وتشخصه به.
فكأن الهياكل السبعة أعضاؤها السبعة. وكأن أعضاءنا السبعة هياكله السبعة فيها يظهر فينطق بلساننا ، ويبصر بأعيننا ، ويسمع بآذاننا ، ويقبض ويبسط بأيدينا ، ويجيء ويذهب بأرجلنا ، ويفعل بجوارحنا.
٢ ـ مزاعم الحرنانية
وزعموا أن الله تعالى أجلّ من أن يخلق الشرور والقبائح والأقذار والخنافس والحيات والعقارب. بل هي كلها واقعة ضرورة عن اتصالات الكواكب سعادة ونحوسة ، واجتماعات العناصر صفوة وكدورة. فما كان من سعد وخير وصفو ، فهو المقصود من الفطرة ، فينسب إلى الباري تعالى. وما كان من نحوسة ، وشر ، وكدر ، فهو الواقع ضرورة فلا ينسب إليه ، بل هي إما اتفاقيات وضروريات. وإما مستندة إلى أصل الشرور والاتصال المذموم.
والحرنانية ينسبون مقالتهم إلى عاذيمون ، وهرمس ، وأعيانا ، وأواذي (٢) ، أربعة أنبياء.
__________________
(١) الضنك : الضيق من كل شيء. وفي التنزيل العزيز : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) أي غير حلال ، قال أبو إسحاق : الضنك أصله في اللغة الضيق والشدة ، ومعناه أن هذه المعيشة الضنك في نار جهنم قال : وأكثر ما جاء في التفسير أنه عذاب القبر. (لسان العرب مادة ضنك).
(٢) أواذي : وفي نسخة «أواري» ، وفي القفطي «أورين» ، وفي الفهرست «أراني».